المسترشد - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) - الصفحة ١٣٧
بيعته كانت فلتة (1) وأنها لم تكن برضى ولا باختيار، وهو أخوه وصاحبه، والذي أقامه ذلك المقام، وفي مخاطبته المهاجرين والأنصار ما يدل على ما ذكرناه. (2)
(1) - كما تقدم وسيأتيك بالتفصيل.
(2) - قال ابن أبي الحديد في شرح النهج، ج 2، ص 22، نقلا عن أبي جعفر الطبري العامي، في التاريخ: عن ابن عباس رضي الله عنه: قال:
قال لي عبد الرحمن بن عوف: وقد حججنا مع عمر، شهدت اليوم أمير المؤمنين بمنى وقال له رجل: إني سمعت فلانا يقول: لو قد مات عمر لبايعت فلانا، فقال عمر: إني لقائم العشية في الناس أحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم، قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين إن الموسم مجمع رعاع الناس وغوغائهم وهم الذين يقربون من مجلسك ويغلبون عليه وأخاف أن تقول مقالة لا يعونها ولا يحفظونها فيطيروا بها، ولكن أمهل حتى تقدم المدينة وتخلص بأصحاب رسول الله فتقول ما قلت متمكنا فيسمعوا مقالتك، فقال: والله لأقومن بها أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس فلما قدمناها، هجرت يوم الجمعة لحديث عبد الرحمن، فلما جلس عمر على المنبر حمد الله وأثنى عليه، ثم قال بعد أن ذكر الرجم وحد الزنا:
إنه بلغني أن قائلا منكم يقول (1): لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا، فلا يغرن امرأ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، فلقد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق كأبي بكر، وأنه كان من خبرنا حين توفى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أن عليا والزبير تخلفا عنا في بيت فاطمة ومن معهما، وتخلفت عنا الأنصار، واجتمع المهاجرين إلى أبي بكر، فقلت له: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نحوهم فلقينا رجلان صالحان من الأنصار قد شهدا بدرا، أحدهما عويم بن ساعدة، والثاني معن بن عدي، فقالا لنا: ارجعوا فاقضوا أمركم بينكم، فأتينا الأنصار، وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة وبين أظهرهم رجل مزمل، فقلت من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة وجع، فقام رجل منهم، فحمد الله وأثنى عليه فقال: أما بعد فنحن الأنصار، وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا، قد دفت إلينا دافة من قومكم، فإذا أنتم تريدون أن تغصبونا الامر.
فلما سكت، وكنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبي بكر، فلما ذهبت أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك!، فقام فحمد الله وأثنى عليه، فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه، وقال: يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلا إلا وأنتم له أهل، وإن العرب لا تعرف هذا الامر إلا لقريش أوسط العرب دارا ونسبا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح، والله ما كرهت من كلامه غيرها إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم أحب إلي من أؤمر على قوم فيهم أبو بكر، فلما قضى أبو بكر كلامه، قام رجل من الأنصار فقال: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير.
أقول: للكلام تتمة ذكرها ابن أبي الحديد لا يأس بالمراجعة بها فأعرضنا عنها لطولها فراجع. كما ذكره عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ج 5 ص 443 و 444.
(1) قال ابن أبي الحديد: وقال شيخنا أبو القاسم البلخي: قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إن الرجل الذي قال: لو قد مات عمر لبايعت فلانا عمار بن ياسر، قال: لو قد مات عمر لبايعت عليا (عليه السلام) فهذا القول هو الذي هاج عمر أن خطب بما خطب به.