الدم لا يدر في جميع الأوقات بل في وقت دون وقت واحتمال الدرور في وقت الحيض قائم فإذا لم يجعل ذلك الطهر عدة لا يلزمنا التناقض وأما الممتد طهرها وهي امرأة كانت تحيض ثم ارتفع حيضها من غير حمل ولا يأس فانقضاء عدتها في الطلاق وسائر وجوه الفرق بالحيض لأنها من ذات الأقراء الا أنه ارتفع حيضها لعارض فلا تنقضي عدتها حتى تحيض ثلاث حيض أو حتى تدخل في حد الإياس فتستأنف عدة الآيسة ثلاثة أشهر وهو مذهب على وعثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وروى عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنها تمكث تسعة أشهر فإن لم تحض اعتدت ثلاثة أشهر بعد ذلك وهو قول مالك واحتجوا بقوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر نقل الله العدة عند الارتياب إلى الأشهر والتي ارتفع حيضها فهي مرتابة فيجب أن تكون عدتها بالشهور والجواب أنه ليس المراد من الارتياب المذكور هو الارتياب في اليأس بل المراد منه ارتياب المخاطبين في عدة الآيسة قبل نزول الآية كذا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الله تعالى لما بين لهم عدة ذات القروء وعدة الحامل شكوا في الآيسة فلم يدروا ما عدتها فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي الآية ما يدل عليه فإنه قال واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ولا يأس مع الارتياب إذ الارتياب يكون وقت رجاء الحيض والرجاء ضد اليأس وكذا قال سبحانه ان ارتبتم ولو كان المراد منه الارتياب في الإياس لكان من حق الكلام أن يقول إن ارتبن فدل أنه سبحانه وتعالى أراد به ما ذكرنا والله عز وجل أعلم وأما عدة الأشهر فالكلام فيها في موضعين أيضا في بيان مقدارها وما تنقضي به وفي بيان كيفية ما يعتبر به الانقضاء أما الأول فما وجب بدلا عن الحيض وهو عدة الآيسة والصغيرة والبالغة التي لم تر الحيض أصلا فثلاثة أشهر إن كانت حرة لقوله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ولان الأشهر في حق هؤلاء تدل على الأقراء والأصل مقدر بالثلاث كذا البدل سواء وجبت الفرقة بطلاق أو بغير طلاق في النكاح الصحيح لعموم النص أو وجبت بالفرقة في النكاح الفاسد أو بالوطئ عن شبهة لما ذكرنا في عدة الأقراء وكذا إذا وجبت على أم الولد بالعتق أو بموت المولى عندنا خلافا للشافعي وإن كانت أمة فشهر ونصف لان حكم البدل حكم الأصل وقد تنصف المبدل فيتنصف البدل ولان الرق متنصف والتكامل في عدة الأقراء ثبت لضرورة عدم التجزي والشهر متجزئ فبقي الحكم فيه على الأصل ولهذا تتنصف عدتها في الوفاة وسواء كان زوجها حرا أو عبدا لما ذكرنا ان المعتبر في العدة جانب النساء وسواء كانت قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو مستسعاة عند أبي حنيفة لما ذكرنا في مدة الأقراء وكذا إذا وجبت على أم الولد بالعتق أو بموت المولى عندنا خلافا للشافعي وما وجبت أصلا بنفسه وهو عدة المتوفى عنها زوجها فأربعة أشهر وعشر وقيل إنما قدرت هذه العدة بهذه المدة إن كانت حرة لقوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا وقيل إنما قدرت هذه العدة بهذه المدة لان الولد يكون في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة ثم ينفخ فيه الروح في العشر فأمرت بتربص هذه المدة ليستبين الحبل إن كان بها وإن كانت أمة فشهران وخمسة أيام لما بينا بالاجماع سواء كانت قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة أو مستسعاة عند أبي حنيفة والمسلمة والكتابية سواء كان في مقدار هاتين العدتين الحرة كالحرة والأمة كالأمة لان ما ذكرنا من الدلائل لا يوجب الفصل بينهما وانقضاء هذه العدة بانقضاء هذه المدة في الحرة والأمة (وأما الثاني) وهو بيان كيفية ما يعتبر به انقضاء هذه العدة فجملة الكلام فيه أن سبب وجوب هذه العدة من الوفاة والطلاق ونحو ذلك إذا اتفق في غرة الشهر اعتبرت الأشهر بالأهلة وان نقصت عن العدد في قول أصحابنا جميعا لان الله تعالى أمر بالعدة بالأشهر بقوله عز وجل فعدتهن ثلاثة أشهر وقوله عز وجل أربعة أشهر وعشرا فلزم اعتبار الأشهر والشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين يوما بدليل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابع يديه كلها ثم قال الشهر هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وحبس ابهامه في المرة الثالثة وإن كانت الفرقة في بعض الشهر
(١٩٥)