تكف ولم تجتنب ما تجتنبه المعتدة حتى أنقضت المدة انقضت عدتها وإذا لم يقف على فعلها فلان لا يقف على علمها به أولى وما روى عن علي رضي الله عنه محمول على أنها لم تعلم وقت الموت فأمرها بالاخذ باليقين وبه نقول وقد روى عنه رضي الله عنه في العدة انها من يوم الطلاق مثل قول العامة فاما ان يحمل على الرجوع أو على ما قلنا وأما بيان أنواع العدد فالعدد في الشرع أنواع ثلاثة عدة الأقراء وعدة الأشهر وعدة الحبل أما عدة الأقراء فلوجوبها أسباب منها الفرقة في النكاح الصحيح سواء كانت بطلاق أو بغير طلاق وإنما تجب هذه العدة لاستبراء الرحم وتعرف براءتها عن الشغل بالولد لأنها لو لم تجب ويحتمل انها حملت من الزوج الأول فتتزوج بزوج آخر وهي حامل من الأول فيطأها الثاني فيصير ساقيا ماءه زرع غيره وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره وكذا إذا جاءت بولد يشتبه النسب فلا يحصل المقصود ويضيع الولد أيضا لعدم المربى والنكاح سببه فكان تسببا إلى هلاك الولد وهذا لا يجوز فوجبت العدة ليعلم بها فراغ الرحم وشغلها فلا يؤدى إلى هذه العواقب الوخيمة وشرط وجوبها الدخول أو ما يجرى مجرى الدخول وهو الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح دون الفاسد فلا يجب بدون الدخول والخلوة الصحيحة لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها ولان وجوبها بطريق استبراء الرحم على ما بينا والحاجة إلى الاستبراء بعد الدخول لا قبله الا ان الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة التي فيها حق الله تعالى لان حق الله تعالى يحتاط في ايجابه ولان التسليم بالواجب بالنكاح قد حصل بالخلوة الصحيحة فتجب به العدة كما تجب بالدخول بخلاف الخلوة في النكاح الفاسد لان الخلوة الصحيحة إنما أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة مع أنها ليست بدخول حقيقة لكونها سبب مفضيا إليه فأقيمت مقامه احتياطا إقامة للسبب مقام المسبب فيما يحتاط فيه والخلوة في النكاح الفاسد لا تفضى إلى الدخول لوجود المانع وهو فساد النكاح وحرمة الوطئ فلم توجد الخلوة الحقيقة إذ هي لا تتحقق الا بعد انتفاء الموانع أو وجدت بصفة الفساد فلا تقوم مقام الدخول وكذا التسليم الواجب بالعقد لم يوجد لان النكاح الفاسد لا يوجب التسليم فلا تجب العدة وأما الخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح فقد ذكرنا تفصيل الكلام فيها في كتاب النكاح وسواء كانت المطلقة حرة أو أمة قنة أو مدبرة أو مكاتبة أو مستسعاة لا يختلف أصل الحكم باختلاف الرق والحرية لان ما وجب له لا يختلف باختلافهما وإنما يختلف في القدر لما تبين والكلام في القدر يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وسواء كانت مسلمة أو كتابية تحت مسلم الحرة كالحرة والأمة كالأمة لأن العدة تجب بحق الله وبحق الزوج قال تعالى فما لكم عليهن من عدة تعتدونها والكتابية مخاطبة بحقوق العباد فتجب عليها العدة وتجبر عليها لأجل حق الزوج والوالد لأنها من أهل ايفاء حقوق العباد وإن كانت تحت ذمي فلا عدة عليها في الفرقة ولا في الموت في قول أبي حنيفة إذا كان ذلك كذلك في دينهم حتى لو تزوجت في الحال جاز وعند أبي يوسف ومحمد عليها العدة وذكر الكرخي في جامعه في الذمية تحت ذمي إذا مات عنها أو طلقها فتزوجت في الحال جاز الا أن تكون حاملا فلا يجوز نكاحها وجه قولهما ان الذمية من أهل دار الاسلام ألا ترى ان أهل الذمة يجرى عليهم سائر أحكام الاسلام كذا هذا الحكم ولأبي حنيفة انه لو وجبت عليها العدة اما أن تجب بحق الله تعالى أو بحق الزوج ولا سبيل إلى ايجابها بحق الزوج لان الزوج لا يعتقد حقا لنفسه ولا وجه إلى ايجابها بحق الله تعالى لأن العدة فيها معنى القربة وهي غير مخاطبة بالقربات الا انها إذا كانت حاملا تمنع من التزويج لان وطئ الزوج الثاني يوجب اشتباه النسب وحفظ النسب حق الولد فلا يملك ابطال حقه فكان على الحكم استيفاء حقه بالمنع من التزويج ولا عدة على المهاجرة في قول أبي حنيفة وعندهما عليها العدة والمسألة مرت في كتاب النكاح فان جاء الزوج مسلما وتركها في دار الحرب فلا عدة عليها في قولهم جميعا لان على أصل أبي حنيفة الكافرة تلزمها العدة لحق المسلم واختلاف الدارين يمنع ثبوت الحق لأحدهما على الآخر وعلى أصلهما وجوب
(١٩١)