الايلاء في حق هذا الحكم شرائط بعضها يعم كل يمين بالطلاق وبعضها يخص الايلاء أما الذي يعم فما ذكرنا من الشرائط فيما تقدم من العقل والبلوغ وقيام ملك النكاح والإضافة إلى الملك حتى لا يصلح ايلاء الصبي والمجنون لأنهما ليسا من أهل الطلاق وكذا لو آلى من أمته أو مدبرته أو أم ولده لم يصح ايلاؤه في حق هذا الحكم لان الله تعالى خص الايلاء بالزوجات بقوله عز وجل للذين يؤلون من نسائهم والزوجة اسم للمملوكة بملك النكاح وشرع الايلاء في حق هذا الحكم ثبت بخلاف القياس بهذه الآية الشريفة وانها وردت في الأزواج فتختص بهم ولان اعتبار الايلاء في حق هذا الحكم لدفع الظلم عنها من قبل الزوج لمنع حقها في الجماع منعا مؤكدا باليمين ولا حق للأمة قبل مولاها في الجماع فلم يتحقق الظلم فلا تقع الحاجة إلى الدفع لوقوع الطلاق ولان الفرقة الحاصلة بمضي المدة من غير فئ فرقة بطلاق ولا طلاق بدون النكاح ولو آلى منها وهي مطلقة فإن كان الطلاق رجعيا فهو مول لقيام الملك من كل وجه ولهذا صح طلاقه وظهاره ويتوارثان وإن كان بائنا أو ثلاثا لم يكن موليا لزوال الملك والمحل بالإبانة والثلاث والايلاء لا ينعقد في غير الملك ابتداء وإن كان يبقى بدون الملك على ما نذكره إن شاء الله تعالى وعلى هذا يخرج ما إذا قال لأجنبية والله لا أقربك ثم تزوجها انه لا يصير موليا في حق حكم البر حتى لو مضت أربعة أشهر فصاعدا بعد التزوج ولم يفئ إليها لا يقع عليها شئ لانعدام الملك والإضافة إلى الملك ولو قربها بعد التزوج أو قبله تلزمه الكفارة لانعقاد اليمين في حق الحنث ولو قال لها ان تزوجتك فوالله لا أقربك فتزوجها صار موليا عندنا لوجود الملك عند التزوج واليمين بالطلاق يصح في الملك أو مضافا إلى الملك وههنا وجدت الإضافة إلى الملك فيصير موليا بخلاف الفصل الأول وكذا جميع ما ذكرنا من شرائط صحة التطليق فهو من شرط صحة الايلاء في حق الطلاق وأما الذي يخص الايلاء فشيئان أحدهما المدة وهي ان يحلف على أربعة أشهر فصاعدا في الحرة أو يحلف مطلقا أو مؤبدا حتى لو حلف على أقل من أربعة أشهر لم يكن موليا في حق الطلاق وهذا قول عامة العلماء وعامة الصحابة رضي الله عنهم وقال بعض أهل العلم ان مدة الايلاء غير مقدرة يستوى فيها القليل والكثير حتى لو حلف لا يقربها يوما أو ساعة كان موليا حتى لو تركها أربعة أشهر بانت وكذا روى عن ابن مسعود رضي الله عنه وقال ابن عباس رضي الله عنهما ان الايلاء على الأبد وقال الشافعي لا يكون موليا حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر وجه قول الأولين ما روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فلما كان تسعة وعشرين يوما ترك ايلاءهن فقيل له انك آليت شهرا يا رسول الله فقال الشهر تسعة وعشرون يوما ولان الله تعالى لم يذكر في كتابه الكريم للايلاء مدة بل أطلقه اطلاقا بقوله عز وجل للذين يؤلون من نسائهم فيجرى على اطلاقه وإنما ذكر المدة لثبوت البينونة حتى تبين بمضي المدة من غير فئ لا ليصير ايلاء شرعا وبه نقول ولنا قوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ذكر للايلاء في حكم الطلاق مدة مقدرة فلا يكون الحلف على ما دونها ايلاء في حق هذا الحكم وهذا لان الايلاء ليس بطلاق حقيقة وإنما جعل طلاقا معلقا بشرط البر شرعا بوصف كونه مانعا من الجماع أربعة أشهر فصاعدا فلا يجعل طلاقا بدونه ولان الايلاء هو اليمين التي تمنع الجماع خوفا من لزوم الحنث وبعد مضى يوم أو شهر يمكنه أن يطأها من غير حنث يلزمه فلا يكون هذا ايلاء وأما قولهم إن المدة ذكرت لثبوت حكم الايلاء لا للايلاء فنقول ذكر المدة في حكم الايلاء لا يكون ذكرا في الايلاء لان الحكم ثبت بالايلاء إذ به يتأكد المنع المحقق للظلم وأما الحديث فالمروي ان النبي صلى الله عليه وسلم آلى ان لا يدخل على نسائه شهرا وعندنا من حلف لا يدخل على امرأته يوما أو شهرا أو سنة لا يكون موليا في حق حكم الطلاق لان الايلاء يمين يمنع الجماع وهذا لا يمنع الجماع وقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الايلاء على الأبد محتمل يحتمل أن يكون معناه ان الايلاء إذا ذكر مطلقا عن الوقت يقع على الأبد وان لم يذكر الأبد ونحن نقول به ويحتمل انه أراد به أن ذكر الأبد شرط صحة الايلاء في حق حكم الطلاق فيحمل على الأول توفيقا بين الأقاويل والدليل عليه ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان ايلاء أهل الجاهلية السنة
(١٧١)