بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٣ - الصفحة ١٧
والدليل على أن المراد من الآية الكريمة اليمين على أمر في المستقبل أنه علق الكفارة فيها بالحلف والحنث عرفنا ذلك بقراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا حلفتم وحنثتم والحنث لا يتصور الا في اليمين على أمر في المستقبل وكذا قوله تعالى واحفظوا ايمانكم وحفظ اليمين إنما يتصور في المستقبل لان ذلك تحقيق البر والوفاء بالعهد وانجاز الوعد وهذا لا يتصور في الماضي والحال والله عز وجل الموفق (وأما) يمين اللغو فلا كفارة فيها بالتوبة ولا بالمال بلا خلاف بيننا وبين الشافعي لان قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أدخل كلمة النفي على المؤاخذة فيدل على انتفاء المؤاخذة فيها بالاثم والكفارة جميعا وإنما اختلفا في تفسيرها واختلف قول من فسرها باليمين على المعاصي في وجوب الكفارة على ما بينا ثم الحالف باللغو إنما لا يؤاخذ في اليمين بالله تعالى فأما اليمين بغير الله تعالى من الطلاق والعتاق فإنه يؤاخذ به حتى يقع الطلاق والعتاق وإن كان ظاهر الآية الكريمة في نفى المؤاخذة عاما عرفنا ذلك بالخبر والنظر أما الخبر فقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد وذكر الطلاق والعتاق واللاغي لا يعدو هذين فدل ان اللغو غير داخل في اليمين بالطلاق والعتاق وأما النظر فهو ان الطلاق والعتاق مما يقع معلقا ومنجزا ومتى علق بشرط كان يمينا فأعظم ما في اللغو انه يمنع انعقاد اليمين وارتباط الجزاء بالشرط فيبقى مجرد ذكر صيغة الطلاق والعتاق من غير شرط فيعمل في إفادة موجبهما بخلاف اليمين بالله تعالى فان هناك إذا لغا المحلوف عليه يبقى مجرد قوله والله فلا يجب به شئ فثبت بما ذكرنا ان المراد بالآية اللغو في اليمين بالله تعالى لا في اليمين بغير الله تعالى من الطلاق والعتاق وسائر الا جزية (وأما) حكم اليمين المعقودة وهي اليمين على المستقبل فاليمين على المستقبل لا يخلو اما أن يكون على فعل واجب وأما أن يكون على ترك المندوب وأما أن يكون على ترك المباح أو فعله فإن كان على فعل واجب بأن قال والله لأصلين صلاة الظهر اليوم أو لأصومن رمضان فإنه يجب عليه الوفاء به ولا يجوز له الامتناع عنه لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف أن يطيع الله فليطعه ولو امتنع يأثم ويحنث ويلزمه الكفارة وإن كان على ترك الواجب أو على فعل معصية بأن قال والله لا أصلى صلاة الفرض أو لا أصوم رمضان أو قال والله لأشربن الخمر أو لأزنين أو لأقتلن فلانا أو لا أكلم والدي ونحو ذلك فإنه يجب عليه للحال الكفارة بالتوبة والاستغفار ثم يجب عليه أن يحنث نفسه ويكون بالمال لان عقد هذه اليمين معصية فيجب تكفيرها بالتوبة والاستغفار في الحال كسائر الجنايات التي ليس فيها كفارة معهودة وعلى هذا يحمل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ثم ليأت الذي هو خير أي عليه أن يحنث نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم من حلف أن يعصى الله تعالى فلا يعصه وترك المعصية بتحنيث نفسه فيها فيحنث به ويكفر بالمال وهذا قول عامة العلماء وقال الشعبي لا تجب الكفارة المعهودة في اليمين على المعاصي وان حنث نفسه فيها لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا حلف أحدكم على يمين فرأى ما هو خير منها فليأته فإنه لا كفارة بها ولان الكفارة شرعت لرفع الذنب والحنث في هذه اليمين ليس بذنب لأنه واجب فلا تجب الكفارة لرفع الذنب ولا ذنب (ولنا) قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إلى قوله ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم من غير فصل بين اليمين على المعصية وغيرها والحديث المعروف وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه فقد روى عنه خلافه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف أحدكم بيمين ثم رأى خيرا مما حلف عليه فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير فوقع التعارض بين حديثيه فبقي الحديث المعروف لنا بلا تعارض ولان الأمة أجمعت على أن الكفارة لا يمتنع وجوبها لعذر في الحانث بل يتعلق بمطلق الحنث سواء كان الحانث ساهيا أو خاطئا أو نائما أو مغمى عليه أو مجنونا فلا يمتنع وجوبها لأجل المعصية ولان الكفارة إنما وجبت في اليمين على المباحات اما لان الحنث فيما يقع خلفا في الوعد ونقضا للعهد لان الحالف وعد ان يفعل وعهد الله على ذلك فإذا حنث فقد صار بالحنث مخلفا في الوعد ناقضا للعهد
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الايمان والكلام فيه مطلب في بيان أنواع الايمان 2
2 فصل وأما ركن اليمين فهو الخ 5
3 فصل وأما شرائط ركن اليمين فأنواع 10
4 فصل وأما حكم اليمين فيختلف باختلافه 15
5 فصل في بيان أن اليمين على نية الحالف أو المستحلف 20
6 فصل وأما اليمين بغير الله فهي نوعان 21
7 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 26
8 فصل وأما حكم اليمين المعلق الخ 30
9 فصل وأما الحلف على الدخول الخ 36
10 فصل واما الحلف على الخروج فهو الخ 42
11 فصل وأما الحلف على الكلام فهو الخ 47
12 فصل وأما الحلف على الاظهار والاعلان الخ 53
13 فصل وأما الحلف على الأكل والشرب الخ 56
14 فصل واما الحلف على اللبس والكسوة الخ 69
15 فصل واما الحلف على الركوب فهو الخ 71
16 فصل واما الحلف على الجلوس فهو الخ 71
17 فصل وأما الحلف على السكنى والمساكنة فهو الخ 72
18 فصل وأما الحلف على المعرفة فهو الخ 75
19 فصل واما الحلف على أخذ الحق وقبضه الخ. 75
20 فصل وأما الحالف على الهدم فهو الخ 76
21 فصل وأما الحلف على الضرب والقتل فهو الخ 76
22 فصل وأما الحلف على المفارقة والوزن فهو الخ 78
23 فصل وأما الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف 78
24 فصل وأما الحالف على ما يخرج من الحالف أو لا يخرج الخ 80
25 فصل وأما الحلف على أمور شرعية الخ 81
26 فصل واما الحلف على أمور متفرقة الخ 87
27 كتاب الطلاق والكلام عليه مطلب في أن صفة الطلاق نوعان سنة وبدعة 88
28 فصل وأما بيان الالفاظ التي يقع بها طلاق السنة فهو نوعين نص ودلالة أما النص الخ 91
29 مطلب وأما الدلالة فنحو أن يقول الخ 92
30 فصل وأما طلاق البدعة فالكلام فيه في ثلاثة مواضع 93
31 فصل وأما حكم الالفاظ التي يقع بها طلاق البدعة 96
32 فصل وأما طلاق البدعة فهو الخ 96
33 فصل وأما قدر الطلاق وعدده فنقول الخ 97
34 فصل وأما بيان ركن الطلاق الخ 98
35 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 99
36 فصل في النية في أحد نوعي الطلاق 101
37 فصل وأما الكناية فنوعان النوع الأول منه الخ 105
38 فصل وأما النوع الثاني فهو الخ 109
39 فصل وأما بيان صفة الواقع بها الخ 109
40 فصل وأما الكناية فثلاثة ألفاظ رواجع بلا خلاف 111
41 فصل وأما قوله أمرك بيدك فالكلام فيه الخ 113
42 فصل واما قوله اختاري فالكلام فيه الخ 118
43 فصل وأما قوله أنت طالق إن شئت فهو الخ 121
44 فصل وأما قوله طلقي نفسك فهو عندنا تمليك الخ 122
45 فصل وأما الرسالة فهو أن يبعث الزوج طلاق امرأته الغائبة الخ 126
46 فصل وأما الذي يرجع إلى المرأة فمنها الملك الخ 126
47 فصل وأما حكم الخلع فنقول الخ 151
48 فصل وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع 152
49 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس الركن الخ 153
50 مطلب وأما أحد نوعي الاستثناء فهو الخ 155
51 مطلب في مسائل نوع من الاستثناء 157
52 فصل وأما الذي يرجع إلى الوقت فهو الخ 161
53 فصل وأما شرائط ركن الايلاء فنوعان 170
54 فصل وأما حكم الايلاء فنقول الخ 175
55 فصل وأما بيان ما يبطل به الايلاء فنوعان 178
56 فصل وأما بيان حكم الطلاق فيختلف الخ 180
57 فصل وأما شرائط جواز الرجعة فمنها الخ 183
58 فصل وأما الطلاق البائن فنوعان الخ 187
59 فصل ومنها أن يكون نكاح الثاني صحيحا 187
60 فصل وأما الذي هو من التوابع فنوعان 190
61 فصل وأما عدة الأشهر فنوعان 192
62 فصل وأما عدة الحمل فهي مدة الحمل 192
63 فصل في بيان مقادير العدة وما تنقضى به 193
64 فصل في بيان ما يعرف به انقضاء العدة 198
65 فصل في بيان انتقال العدة وتغيرها 200
66 فصل وأما تغير العدة فنحو الأمة الخ 201
67 فصل في أحكام العدة 204
68 كتاب الظهار والكلام عليه 229
69 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر 232
70 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر به. 233
71 فصل وللظهار أحكام 234
72 فصل في بيان ما ينتهى به حكم الظهار أو يبطل 235
73 فصل في بيان كفارة الظهار والكلام عليها 235
74 كتاب اللعان والكلام عليه 237
75 فصل في بيان صفة اللعان 238
76 فصل في بيان سبب وجود اللعان 239
77 فصل في شرائط وجوب اللعان وجوازه 240
78 فصل في بيان ما يظهر به سبب وجوب اللعان 243
79 فصل في بيان ما يسقط به للعان بعد وجوبه 243
80 فصل في بيان حكم اللعان 244
81 فصل في بيان ما يبطل به حكم اللعان 248