الايمان وأثبتها بما كسب القلب ويمين الغموس مكسوبة القلب فكانت المؤاخذة ثابتة بها الا أن الله تعالى أبهم المؤاخذة في هذه الآية الشريفة أنها بالاثم أو بالكفارة المعهودة لكن فسر في الأخرى أن المؤاخذة بالكفارة المعهودة وهي قوله عز وجل ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية فعلم أن المراد من المؤاخذة المذكورة في تلك الآية هذه المؤاخذة وبقوله عز وجل ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية أثبت المؤاخذة في اليمين المعقودة بالكفارة المعهودة ويمين الغموس معقودة لان اسم العقد يقع على عقد القلب وهو العزم والقصد وقد وجد بقوله عز وجل في آخر الآية الكريمة ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم جعل الكفارة المعهودة كفارة الايمان على العموم خص منه يمين اللغو فمن ادعى تخصيص العموم فعليه الدليل مع ما ان أحق ما يراد به الغموس لأنه علق الوجوب بنفس الحلف دون الحنث وذلك هو الغموس إذ الوجوب في غيره يتعلق بالحنث (ولنا) قوله سبحانه وتعالى ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة الآية ورى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مالا لقى الله وهو عليه غضبان وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار والاستدلال بالنصوص ان الله تعالى جعل موجب الغموس العذاب في الآخرة فمن أوجب الكفارة فقد زاد على النصوص فلا يجوز الا فلا يجوز الا بمثلها وما روى عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أنه قال للمتلاعنين بعد فراغهما من اللعان الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب دعاهما إلى التوبة لا إلى الكفارة المعهودة ومعلوم ان حاجتهما إلى بيان الكفارة المعهودة لو كانت واجبة كانت أشد من حاجتهما إلى بيان كذب أحدهما وايجاب التوبة وجوب التوبة بالذنب يعرفه كل عاقل بمجرد العقل من غير معونة السمع والكفارة المعهودة لا تعرف الا بالسمع فلما لم يبين مع أن الحال حال الحاجة إلى بيان دل أنها غير واجبة وكذا الحديث الذي روى في الخصمين أنه قضى لأحدهما وذكر فيه الوعيد الشديد ان يأخذه وهو غير الحق في ذلك ثم أمرهما صلى الله الله عليه وسلم بالاستهام وان يحلل كل واحد منها صاحبه ولم يبين الكفارة والموضع موضع الحاجة إلى البيان لو كانت واجبة فعلم أنها غير واجبة ولان وجوب الكفارة المعهودة حكم شرعي فلا يعرف الا بدليل شرعي وهو النص أو الاجماع أو القياس ولم يوجد وأقوى الدلائل في نفى الحكم نفى دليله أما الاجماع فظاهر الانتفاء وكذا النص القاطع لان أهل الديانة لا يختلفون في موضع فيه نص قاطع والنص الظاهر وجب العمل به أيضا وإن كان لا يجب الاعتقاد قطعا فلا يقع الاختلاف ظاهرا نفى الاستدلال باليمين المعقودة ومن شرطه التساوي ولم يوجد لان الذنب في يمين الغموس أعظم وما صلح لدفع أدنى الذنبين لا يصلح لرفع أعلاهما ولهذا قال اسحق في يمين الغموس أجمع المسلمون على أنه لا يجب الكفارة فيها فقول من يوجبها ابتداء شرع ونصب حكم على الخلق وهو لم يشترك في حكمه أحدا ولا حجة له في قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم لان مطلق المؤاخذة في الجنايات يراد بها المؤاخذة في الآخرة لأنها حقيقة المؤاخذة والجزاء فأما المؤاخذة في الدنيا فقد تكون خيرا وتكفيرا فلا تكون مؤاخذة معنى ونحن به نقول أن المؤاخذة بيمين الغموس ثابتة في الآخرة ولان قوله تعالى يؤاخذكم اخبار أنه يؤاخذ فأما قضية المؤاخذة فليست بمذكورة فيستدعى نوع مؤاخذة والمؤحذة بالاسم مرادة من هذه الآية فلا يكون غيره مرادا إذا وأما قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فالمراد منه اليمين على أمر في المستقبل لأن العقد هو الشد والربط في اللغة ومنه عقد الحبل وعقد الحمل وانعقاد الرق وهو ارتباط بعضه ببعض وقد يذكر ويراد به العهد وكل ذلك لا يتحقق الا في المستقبل ولان الآية قرئت بقرائتين بالتشديد والتخفيف والتشديد لا يحتمل الا عقد اللسان وهو عقد القول والتخفيف يحتمل العقد باللسان والعقد بالقلب وهو العزم والقصد فكانت قراءة التشديد محكمة في الدلالة على إرادة العقد باللسان والقراءة بالتخفيف محتملة فيرد المحتمل إلى المحكم ليكون عملا بالقراءتين على الموافقة
(١٦)