بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٣ - الصفحة ١٦
الايمان وأثبتها بما كسب القلب ويمين الغموس مكسوبة القلب فكانت المؤاخذة ثابتة بها الا أن الله تعالى أبهم المؤاخذة في هذه الآية الشريفة أنها بالاثم أو بالكفارة المعهودة لكن فسر في الأخرى أن المؤاخذة بالكفارة المعهودة وهي قوله عز وجل ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية فعلم أن المراد من المؤاخذة المذكورة في تلك الآية هذه المؤاخذة وبقوله عز وجل ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته الآية أثبت المؤاخذة في اليمين المعقودة بالكفارة المعهودة ويمين الغموس معقودة لان اسم العقد يقع على عقد القلب وهو العزم والقصد وقد وجد بقوله عز وجل في آخر الآية الكريمة ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم جعل الكفارة المعهودة كفارة الايمان على العموم خص منه يمين اللغو فمن ادعى تخصيص العموم فعليه الدليل مع ما ان أحق ما يراد به الغموس لأنه علق الوجوب بنفس الحلف دون الحنث وذلك هو الغموس إذ الوجوب في غيره يتعلق بالحنث (ولنا) قوله سبحانه وتعالى ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة الآية ورى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مالا لقى الله وهو عليه غضبان وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار والاستدلال بالنصوص ان الله تعالى جعل موجب الغموس العذاب في الآخرة فمن أوجب الكفارة فقد زاد على النصوص فلا يجوز الا فلا يجوز الا بمثلها وما روى عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أنه قال للمتلاعنين بعد فراغهما من اللعان الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب دعاهما إلى التوبة لا إلى الكفارة المعهودة ومعلوم ان حاجتهما إلى بيان الكفارة المعهودة لو كانت واجبة كانت أشد من حاجتهما إلى بيان كذب أحدهما وايجاب التوبة وجوب التوبة بالذنب يعرفه كل عاقل بمجرد العقل من غير معونة السمع والكفارة المعهودة لا تعرف الا بالسمع فلما لم يبين مع أن الحال حال الحاجة إلى بيان دل أنها غير واجبة وكذا الحديث الذي روى في الخصمين أنه قضى لأحدهما وذكر فيه الوعيد الشديد ان يأخذه وهو غير الحق في ذلك ثم أمرهما صلى الله الله عليه وسلم بالاستهام وان يحلل كل واحد منها صاحبه ولم يبين الكفارة والموضع موضع الحاجة إلى البيان لو كانت واجبة فعلم أنها غير واجبة ولان وجوب الكفارة المعهودة حكم شرعي فلا يعرف الا بدليل شرعي وهو النص أو الاجماع أو القياس ولم يوجد وأقوى الدلائل في نفى الحكم نفى دليله أما الاجماع فظاهر الانتفاء وكذا النص القاطع لان أهل الديانة لا يختلفون في موضع فيه نص قاطع والنص الظاهر وجب العمل به أيضا وإن كان لا يجب الاعتقاد قطعا فلا يقع الاختلاف ظاهرا نفى الاستدلال باليمين المعقودة ومن شرطه التساوي ولم يوجد لان الذنب في يمين الغموس أعظم وما صلح لدفع أدنى الذنبين لا يصلح لرفع أعلاهما ولهذا قال اسحق في يمين الغموس أجمع المسلمون على أنه لا يجب الكفارة فيها فقول من يوجبها ابتداء شرع ونصب حكم على الخلق وهو لم يشترك في حكمه أحدا ولا حجة له في قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم لان مطلق المؤاخذة في الجنايات يراد بها المؤاخذة في الآخرة لأنها حقيقة المؤاخذة والجزاء فأما المؤاخذة في الدنيا فقد تكون خيرا وتكفيرا فلا تكون مؤاخذة معنى ونحن به نقول أن المؤاخذة بيمين الغموس ثابتة في الآخرة ولان قوله تعالى يؤاخذكم اخبار أنه يؤاخذ فأما قضية المؤاخذة فليست بمذكورة فيستدعى نوع مؤاخذة والمؤحذة بالاسم مرادة من هذه الآية فلا يكون غيره مرادا إذا وأما قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فالمراد منه اليمين على أمر في المستقبل لأن العقد هو الشد والربط في اللغة ومنه عقد الحبل وعقد الحمل وانعقاد الرق وهو ارتباط بعضه ببعض وقد يذكر ويراد به العهد وكل ذلك لا يتحقق الا في المستقبل ولان الآية قرئت بقرائتين بالتشديد والتخفيف والتشديد لا يحتمل الا عقد اللسان وهو عقد القول والتخفيف يحتمل العقد باللسان والعقد بالقلب وهو العزم والقصد فكانت قراءة التشديد محكمة في الدلالة على إرادة العقد باللسان والقراءة بالتخفيف محتملة فيرد المحتمل إلى المحكم ليكون عملا بالقراءتين على الموافقة
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الايمان والكلام فيه مطلب في بيان أنواع الايمان 2
2 فصل وأما ركن اليمين فهو الخ 5
3 فصل وأما شرائط ركن اليمين فأنواع 10
4 فصل وأما حكم اليمين فيختلف باختلافه 15
5 فصل في بيان أن اليمين على نية الحالف أو المستحلف 20
6 فصل وأما اليمين بغير الله فهي نوعان 21
7 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 26
8 فصل وأما حكم اليمين المعلق الخ 30
9 فصل وأما الحلف على الدخول الخ 36
10 فصل واما الحلف على الخروج فهو الخ 42
11 فصل وأما الحلف على الكلام فهو الخ 47
12 فصل وأما الحلف على الاظهار والاعلان الخ 53
13 فصل وأما الحلف على الأكل والشرب الخ 56
14 فصل واما الحلف على اللبس والكسوة الخ 69
15 فصل واما الحلف على الركوب فهو الخ 71
16 فصل واما الحلف على الجلوس فهو الخ 71
17 فصل وأما الحلف على السكنى والمساكنة فهو الخ 72
18 فصل وأما الحلف على المعرفة فهو الخ 75
19 فصل واما الحلف على أخذ الحق وقبضه الخ. 75
20 فصل وأما الحالف على الهدم فهو الخ 76
21 فصل وأما الحلف على الضرب والقتل فهو الخ 76
22 فصل وأما الحلف على المفارقة والوزن فهو الخ 78
23 فصل وأما الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف 78
24 فصل وأما الحالف على ما يخرج من الحالف أو لا يخرج الخ 80
25 فصل وأما الحلف على أمور شرعية الخ 81
26 فصل واما الحلف على أمور متفرقة الخ 87
27 كتاب الطلاق والكلام عليه مطلب في أن صفة الطلاق نوعان سنة وبدعة 88
28 فصل وأما بيان الالفاظ التي يقع بها طلاق السنة فهو نوعين نص ودلالة أما النص الخ 91
29 مطلب وأما الدلالة فنحو أن يقول الخ 92
30 فصل وأما طلاق البدعة فالكلام فيه في ثلاثة مواضع 93
31 فصل وأما حكم الالفاظ التي يقع بها طلاق البدعة 96
32 فصل وأما طلاق البدعة فهو الخ 96
33 فصل وأما قدر الطلاق وعدده فنقول الخ 97
34 فصل وأما بيان ركن الطلاق الخ 98
35 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 99
36 فصل في النية في أحد نوعي الطلاق 101
37 فصل وأما الكناية فنوعان النوع الأول منه الخ 105
38 فصل وأما النوع الثاني فهو الخ 109
39 فصل وأما بيان صفة الواقع بها الخ 109
40 فصل وأما الكناية فثلاثة ألفاظ رواجع بلا خلاف 111
41 فصل وأما قوله أمرك بيدك فالكلام فيه الخ 113
42 فصل واما قوله اختاري فالكلام فيه الخ 118
43 فصل وأما قوله أنت طالق إن شئت فهو الخ 121
44 فصل وأما قوله طلقي نفسك فهو عندنا تمليك الخ 122
45 فصل وأما الرسالة فهو أن يبعث الزوج طلاق امرأته الغائبة الخ 126
46 فصل وأما الذي يرجع إلى المرأة فمنها الملك الخ 126
47 فصل وأما حكم الخلع فنقول الخ 151
48 فصل وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع 152
49 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس الركن الخ 153
50 مطلب وأما أحد نوعي الاستثناء فهو الخ 155
51 مطلب في مسائل نوع من الاستثناء 157
52 فصل وأما الذي يرجع إلى الوقت فهو الخ 161
53 فصل وأما شرائط ركن الايلاء فنوعان 170
54 فصل وأما حكم الايلاء فنقول الخ 175
55 فصل وأما بيان ما يبطل به الايلاء فنوعان 178
56 فصل وأما بيان حكم الطلاق فيختلف الخ 180
57 فصل وأما شرائط جواز الرجعة فمنها الخ 183
58 فصل وأما الطلاق البائن فنوعان الخ 187
59 فصل ومنها أن يكون نكاح الثاني صحيحا 187
60 فصل وأما الذي هو من التوابع فنوعان 190
61 فصل وأما عدة الأشهر فنوعان 192
62 فصل وأما عدة الحمل فهي مدة الحمل 192
63 فصل في بيان مقادير العدة وما تنقضى به 193
64 فصل في بيان ما يعرف به انقضاء العدة 198
65 فصل في بيان انتقال العدة وتغيرها 200
66 فصل وأما تغير العدة فنحو الأمة الخ 201
67 فصل في أحكام العدة 204
68 كتاب الظهار والكلام عليه 229
69 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر 232
70 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر به. 233
71 فصل وللظهار أحكام 234
72 فصل في بيان ما ينتهى به حكم الظهار أو يبطل 235
73 فصل في بيان كفارة الظهار والكلام عليها 235
74 كتاب اللعان والكلام عليه 237
75 فصل في بيان صفة اللعان 238
76 فصل في بيان سبب وجود اللعان 239
77 فصل في شرائط وجوب اللعان وجوازه 240
78 فصل في بيان ما يظهر به سبب وجوب اللعان 243
79 فصل في بيان ما يسقط به للعان بعد وجوبه 243
80 فصل في بيان حكم اللعان 244
81 فصل في بيان ما يبطل به حكم اللعان 248