بدائع الصنائع - أبو بكر الكاشاني - ج ٣ - الصفحة ١٨
فوجبت الكفارة ليصير الحلف مستورا كأنه لم يكن أو لان الحنث منه يخرج مخرج الاستخفاف بالاستشهاد باسم الله تعالى من حيث الصورة متى قوبل ذلك بعقده السابق لا من حيث الحقيقة إذ المسلم لا يباشر المعصية قصد المخالفة الله تعالى وإرادة الاستخفاف بأمره ونهيه فوجب عليه التكفير جبرا لما هتك من حرمة اسم الله تعالى صورة لا حقيقة وسترا وكل واحد من الوجهين موجود ههنا فيجب وأما قولهم الكفارة شرعت لرفع الذنب فنعم لكن لم قلتم انه لا ذنب وقولهم الحنث واجب قلنا بلى لكن من حيث إنه ترك المعصية لا من حيث إنه نقض اليمين التي هي عهد مع الله تعالى بل الحنث من هذه الجهة ذنب فيحتاج إلى التكفير بالمال وإن كان على ترك المندوب بأن قال والله لا أصلى نافلة ولا أصوم تطوعا ولا أعود مريضا ولا أشيع جنازة ونحو ذلك فالأفضل له أن يفعل ويكفر عن يمينه بالحديث الذي روينا وإن كان على مباح تركا أو فعلا كدخول الدار ونحوه فالأفضل له البر وله أن يحنث نفسه ويكفر ثم الكفارة تجب في اليمين المعقودة على المستقبل سواء قصد اليمين أو لم يقصد عندنا بأن كانت على أمر في المستقبل وعند الشافعي لا بد من قصد اليمين لتجب الكفارة واحتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والنكاح فتخصيص هذه الأشياء بالذكر في التسوية بين الجد والهزل منها دليل على أن حكم الجد والهزل يختلف في غيرها ليكون التخصيص مفيدا (ولنا) قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته أثبت المؤاخذة بالكفارة المعهودة في اليمين المعقودة مطلقا عن شرط القصد إذ العقد هو الشد والربط والعهد على ما بينا وقوله عز وجل ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم أي حلفتم وحنثتم جعل أحد الأشياء المذكورة كفارة الايمان على العموم عند وجود الحلف والحنث وقد وجد (وأما) الحديث فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين مع ما ان روايته الأخرى مسكوتة عن غير الأشياء المذكورة إذ لا يتعرض لغيرها بالنفي ولا بالاثبات فلا يصح الاحتجاج به والله عز وجل أعلم ثم وقت وجوب الكفارة في اليمين المعقود على المستقبل هو وقت وجود الحنث فلا يجب الا بعد الحنث عند عامة العلماء وقال قوم وقته وقت وجود اليمين فتجب الكفارة بعقد اليمين من غير حنث واحتجوا بقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان وقوله عز وجل ذلك كفارة ايمانكم إذا حلفتم وقوله عز وجل فكفارته أي كفارة ما عقدتم من الايمان لان الإضافة تستدعى مضافا إليه سابقا ولم يسبق غير ذلك العقد فيصرف إليه وكذا في قوله ذلك كفارة ايمانكم أضاف الكفارة إلى اليمين وعلى ذلك تنسب الكفارة إلى اليمين فيقال كفارة اليمين والإضافة تدل على السببية في الأصل وبما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه ثم ليأت الذي هو خير والاستدلال بالحديث من وجهين أحدهما أنه أمر بالتكفير بعد اليمين قبل الحنث ومطلق الامر يحمل على الوجوب والثاني أنه قال عليه الصلاة والسلام فليكفر عن يمينه أضاف التكفير إلى اليمين فكذا في الرواية الأخرى فليأت الذي هو خير وليكفر يمينه أمر بتكفير اليمين لا بتكفير الحنث فدل أن الكفارة لليمين ولان الله تعالى نهى عن الوعد الا بالاستثناء بقوله عز وجل ولا تقولن لشئ أنى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله ومعلوم أن ذلك النهى في اليمين أوكد وأشد ممن حلف على شئ بلا ثنيا فقد صار عاصيا باتيان ما نهى عنه فتجب الكفارة لدفع ذلك الاثم عنه (ولنا) أن الواجب كفارة والكفارة تكون للسيئات إذ من البعيد تكفير الحسنات فالسيئات تكفر بالحسنات قال الله سبحانه وتعالى ان الحسنات يذهبن السيئات وعقد اليمين مشروع قد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع وكذا الرسل المتقدمة عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى خبرا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال وتالله لأكيدن أصنامكم وقال خبر عن أولاد يعقوب عليهم الصلاة السلام أنهم قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف وكذا أيوب عليه الصلاة والسلام كان حلف أن يضرب امرأته فأمره الله سبحانه وتعالى بالوفاء بقوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الايمان والكلام فيه مطلب في بيان أنواع الايمان 2
2 فصل وأما ركن اليمين فهو الخ 5
3 فصل وأما شرائط ركن اليمين فأنواع 10
4 فصل وأما حكم اليمين فيختلف باختلافه 15
5 فصل في بيان أن اليمين على نية الحالف أو المستحلف 20
6 فصل وأما اليمين بغير الله فهي نوعان 21
7 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 26
8 فصل وأما حكم اليمين المعلق الخ 30
9 فصل وأما الحلف على الدخول الخ 36
10 فصل واما الحلف على الخروج فهو الخ 42
11 فصل وأما الحلف على الكلام فهو الخ 47
12 فصل وأما الحلف على الاظهار والاعلان الخ 53
13 فصل وأما الحلف على الأكل والشرب الخ 56
14 فصل واما الحلف على اللبس والكسوة الخ 69
15 فصل واما الحلف على الركوب فهو الخ 71
16 فصل واما الحلف على الجلوس فهو الخ 71
17 فصل وأما الحلف على السكنى والمساكنة فهو الخ 72
18 فصل وأما الحلف على المعرفة فهو الخ 75
19 فصل واما الحلف على أخذ الحق وقبضه الخ. 75
20 فصل وأما الحالف على الهدم فهو الخ 76
21 فصل وأما الحلف على الضرب والقتل فهو الخ 76
22 فصل وأما الحلف على المفارقة والوزن فهو الخ 78
23 فصل وأما الحلف على ما يضاف إلى غير الحالف 78
24 فصل وأما الحالف على ما يخرج من الحالف أو لا يخرج الخ 80
25 فصل وأما الحلف على أمور شرعية الخ 81
26 فصل واما الحلف على أمور متفرقة الخ 87
27 كتاب الطلاق والكلام عليه مطلب في أن صفة الطلاق نوعان سنة وبدعة 88
28 فصل وأما بيان الالفاظ التي يقع بها طلاق السنة فهو نوعين نص ودلالة أما النص الخ 91
29 مطلب وأما الدلالة فنحو أن يقول الخ 92
30 فصل وأما طلاق البدعة فالكلام فيه في ثلاثة مواضع 93
31 فصل وأما حكم الالفاظ التي يقع بها طلاق البدعة 96
32 فصل وأما طلاق البدعة فهو الخ 96
33 فصل وأما قدر الطلاق وعدده فنقول الخ 97
34 فصل وأما بيان ركن الطلاق الخ 98
35 فصل وأما شرائط الركن فأنواع 99
36 فصل في النية في أحد نوعي الطلاق 101
37 فصل وأما الكناية فنوعان النوع الأول منه الخ 105
38 فصل وأما النوع الثاني فهو الخ 109
39 فصل وأما بيان صفة الواقع بها الخ 109
40 فصل وأما الكناية فثلاثة ألفاظ رواجع بلا خلاف 111
41 فصل وأما قوله أمرك بيدك فالكلام فيه الخ 113
42 فصل واما قوله اختاري فالكلام فيه الخ 118
43 فصل وأما قوله أنت طالق إن شئت فهو الخ 121
44 فصل وأما قوله طلقي نفسك فهو عندنا تمليك الخ 122
45 فصل وأما الرسالة فهو أن يبعث الزوج طلاق امرأته الغائبة الخ 126
46 فصل وأما الذي يرجع إلى المرأة فمنها الملك الخ 126
47 فصل وأما حكم الخلع فنقول الخ 151
48 فصل وأما الطلاق على مال فهو في أحكامه كالخلع 152
49 فصل وأما الذي يرجع إلى نفس الركن الخ 153
50 مطلب وأما أحد نوعي الاستثناء فهو الخ 155
51 مطلب في مسائل نوع من الاستثناء 157
52 فصل وأما الذي يرجع إلى الوقت فهو الخ 161
53 فصل وأما شرائط ركن الايلاء فنوعان 170
54 فصل وأما حكم الايلاء فنقول الخ 175
55 فصل وأما بيان ما يبطل به الايلاء فنوعان 178
56 فصل وأما بيان حكم الطلاق فيختلف الخ 180
57 فصل وأما شرائط جواز الرجعة فمنها الخ 183
58 فصل وأما الطلاق البائن فنوعان الخ 187
59 فصل ومنها أن يكون نكاح الثاني صحيحا 187
60 فصل وأما الذي هو من التوابع فنوعان 190
61 فصل وأما عدة الأشهر فنوعان 192
62 فصل وأما عدة الحمل فهي مدة الحمل 192
63 فصل في بيان مقادير العدة وما تنقضى به 193
64 فصل في بيان ما يعرف به انقضاء العدة 198
65 فصل في بيان انتقال العدة وتغيرها 200
66 فصل وأما تغير العدة فنحو الأمة الخ 201
67 فصل في أحكام العدة 204
68 كتاب الظهار والكلام عليه 229
69 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر 232
70 فصل في بيان الذي يرجع إلى المظاهر به. 233
71 فصل وللظهار أحكام 234
72 فصل في بيان ما ينتهى به حكم الظهار أو يبطل 235
73 فصل في بيان كفارة الظهار والكلام عليها 235
74 كتاب اللعان والكلام عليه 237
75 فصل في بيان صفة اللعان 238
76 فصل في بيان سبب وجود اللعان 239
77 فصل في شرائط وجوب اللعان وجوازه 240
78 فصل في بيان ما يظهر به سبب وجوب اللعان 243
79 فصل في بيان ما يسقط به للعان بعد وجوبه 243
80 فصل في بيان حكم اللعان 244
81 فصل في بيان ما يبطل به حكم اللعان 248