طالق ان لم يشاء الله تعالى يكون المستثنى كقوله إن شاء الله تعالى لان هذا في الحقيقة تعليق بعدم دخول الوقوع تحت مشيئة الله تعالى وذلك غير معلوم ولو قال أنت طالق وإن شاء الله أو قال فإن شاء الله تعالى لم يكن استثناء عند أبي يوسف لأنه حال بين الطلاق وبين الاستثناء حرف هو حشو فيصير فاصلا بمنزلة السكتة فيمنع التعليق بالشرط فيقع في الحال ولو قال أنت طالق ثلاثا وثلاثا إن شاء الله تعالى لا يصح الاستثناء ويقع الثلاث في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد الاستثناء جائز وعلى هذا الخلاف إذا قال أنت طالق ثلاثا وواحدة إن شاء الله تعالى وجه قولهما ان في الاستثناء الموصول يقف أول الكلام على آخره فكان قوله ثلاثا وثلاثا كلاما واحدا فيعمل فيه الاستثناء كما لو قال أنت طالق ستا إن شاء الله تعالى ولأنه جمع بين الجملتين بحرف الجمع وهو حرف الواو فصار كما لو ذكرهما بلفظ واحد فقال أنت طالق ستا إن شاء الله تعالى ولأبي حنيفة ان العدد الثاني وقع لغوا لأنه لا يتعلق به حكم إذ لا مزيد للطلاق على الثلاث فصار فاصلا فمنع صحة الاستثناء كما لو سكت بخلاف ما لو قال أنت طالق ستا لأنه ذكر الكل جملة واحدة فلا يمكن فصل البعض عن البعض ولو قال أنت طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله تعالى جاز الاستثناء في قولهم جميعا لان الكلام الثاني ههنا ليس بلغو لأنه جملة يتعلق بها حكم فلم يصر فاصلا بخلاف الفصل الأول ولو جمع بين جملتين بحرف الواو ثم قال في آخرهما إن شاء الله تعالى بان قال امرأته طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى انصرف الاستثناء إلى الجملتين جميعا حيت لا يقع الطلاق والعتاق بالاتفاق وكذا إذا ذكر الشرط في آخر الجملتين بان قال إن دخلت الدار أو ان كلمت فلانا ولو قال لزيد على ألف درهم ولعمر وعلى ألف درهم الا خمسمائة انصرف الاستثناء إلى الجملة الأخيرة عند عامة العلماء وقال بعضهم ينصرف إلى جميع ما تقدم من الجمل وبه أخذ الشافعي وعلى هذا الأصل بنوا مسألة المحدود في القذف إذا تاب وشهد لأنه قوله الا الذين تابوا منصرف إلى ما يليه عندنا وعندهم إلى جميع ما تقدم وجه قول هؤلاء ان واو العطف إذا دخل بين الكلامين يجعلهما كلاما واحدا كما في قول القائل جاءني زيد وعمر ومعناه جاءاني وكما إذا قال امرأته طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى أو قال إن دخلت الدار انه يتعلق الأمران جميعا بالشرط وإن كان كل واحد منهما جملة تامة لكن لما دخل بينهما واو العطف جعل كلاما واحدا وتعلقا جميعا بالشرط كذا هذا ولهذا إذا كان المعطوف ناقصا شارك الأول في حكمه وجعل الكل كلاما واحدا بان قال لامرأته أنت طالق وفلانة حتى يقع الطلاق عليهما كذا هذا ولنا ان الأصل في الاستثناء أن ينصرف إلى ما يليه لأنه أقرب إليه ومتصل به ولأنه ليس بكلام مفيد بنفسه مستقل بذاته فلابد من ربطه بغيره ليصير مفيدا وهذه الضرورة تندفع بالصرف إلى ما يليه فانصرف إلى غيره من الجمل المتقدمة بدخول حرف العطف بين الجملتين فيجعلهما كلاما واحدا وجملة واحدة وإنما يجعل كلاما واحدا والجملتان جملة واحدة بواو العطف إذا كانت احدى الجملتين ناقصة بحيث لو فصلت عن الجملة الأخرى لا تكون مفيدة فأما إذا كانت كاملة بحيث لو فصلت عن الأخرى كانت مفيدة فلا يجعلان كلاما واحدا لان الجعل للعطف الموجب للشركة والشركة ثابتة بدون حرف الواو فكان الوصل والاشراك بحرف الواو وعدمه سواء ولان جعل الكلامين كلاما واحدا خلاف الحقيقة فلا يصار إليه الا لضرورة وهي أن تكون احدى الجملتين ناقصة اما صورة أو معنى كما في قول القائل جاءني زيد وعمر فان الجملة الثانية ناقصة لأنها مبتدأ لا خبر له فجعلت كاملة بالاشراك بحرف الواو كما في قول الرجل لامرأتيه زينب طالق وعمرة لما قلنا أو تكون ناقصة معنى في حق حصول غرض المتكلم كما في قوله امرأته طالق وعبده حر إن شاء الله تعالى أو ان دخلت الدار فان هناك احدى الجملتين ناقصة في حق حصول غرضه أن يجعلهما جميعا جزاء واحدا للشرط وإن كان كل واحد في نفسه يصلح جزاء تاما وهذا الغرض لا يحصل الا بالاشراك والوصل فيكون أحدهما بعض الجزاء فكانت جملة ناقصة في المعنى وهو تحصيل غرضة فيجعل كأنه ناقص في أصل الإفادة ومثل هذه الضرورة لم توجد ههنا فبقيت كل جملة منفردة بحكمها وإن كانت معطوفة بحرف الواو كما لو قال جاءني زيد وذهب عمر فان هذا
(١٥٨)