سميت بذلك لأنها مفاعلة على ما تشرب بساق. والثاني: أنها سميت بذلك لان موضع النخل والشجر سمى سقيا فاشتقوا اسم المساقاة منه. والثالث أنها سميت بذلك لان غالب العمل المقصود فيها هو السقي فاشتق اسمها منه.
قال والمساقاة جائزة لا يعرف خلاف بين الصحابة والتابعين في جوازها وهو قول الفقهاء كافة إلا أبا حنيفة وحده دون سائر أصحابه، فإنه تفرد بابطالها، وحكى عن النخعي كراهتها.
واستدل من نصر قول أبي حنيفة على إبطال المساقاة بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، وغرر المساقاة متردد بين ظهور الثمرة وعدمها، وبين قلتها وكثرتها، فكان الغرر فيها أعظم: فاقتضى أن يكون بابطال العقد أحق، ولأنه عقد على منافع أعيان باقية فامتنع أن يكون معقودا ببعضها كالمخابرة، ولأنه عقد تناول ثمرة لم تخلق فوجب أن يكون باطلا كالبيع، لأنه عمل العوض عليه ثمرة لم تخلق فوجب أن يكون باطلا كما لو استؤجر على عمل بثمرة هذه الثمار في القابل ولان المساقاة إجارة على عمل جعلت الثمرة فيه أجرة والأجرة لا تصح إلا أن تكون معينة أو ثابته في الذمة، وما تثمره نخل المساقاة غير معين ولا ثابت في الذمة فوجب أن تكون باطلة ولان ما امتنع من المساقاة فيما سوى النخل والكرم من الشجر من جهالة الثمن منع فيها من النخل لجهالة الثمن.
فإذا ثبت ما ذكرنا فان المساقاة لا تصح في الزروع لأنها كالمخابرة على الزروع وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم لما رواه أحمد ومسلم عن جابر قال " كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان له أرض فليزرعها وليحرثها أخاه وإلا فليدعها " وأختلف قوله في سائر الأشجار فأجازها في قوله القديم في التين والتفاح لأنها شجر مثمر فأشبه النخل إلا أنه قال في الجديد " والمساقاة جائزة بما وصفت في النخل والكرم دون غيرهما، لان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ صدقتهما بالخرص وثمرهما مجتمع بائن من شجره، ولا حائل دونه يمنع إحاطة النظر إليه، وثمر غيرهما متفرق بين أصفاف ورق شجره ولا يحاط بالنظر إليه.