والقول الثاني: أن الكفالة بالبدن صحيحة، وهو قول شريح والشعبي ومالك وأبي حنيفة والليث بن سعد وعبد الله بن الحسن وأحمد رضي الله عنهم. وهو الصحيح لقوله تعالى " فخد أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين " ولحديث عبد الله ابن مسعود الذي استشار في الذين كانوا يضجون في مسجدهم بمسيلمة استشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار عليه جرير بن عبد الله والأشعث ابن قيس أن يستتابوا ويتكفل بهم عشائرهم، فاستتابهم فتابوا وكفلهم عشائرهم فدل على أن الكفالة بالبدن كانت سائغة عند الصحابة رضوان الله عليهم: إذ لم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك: وإن كان هذا الموضع لم يتوجه عليهم فيه حق فلم يكن موضعا تصح فيه الكفالة بالبدن، إلا أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأصحابه الذين معه أرادوا بهذا الاستظهار على هؤلاء المارقين فإذا قلنا لا تصح الكفالة بالبدن فلا تفريع عليه، وإذا قلنا تصح، فإنما تصح ببدن كل من يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم بدين، لأنه لازم فصحت الكفالة ببدن من عليه كالدين.
(فرع) وأما الكفالة ببدن من عليه جلد، فإن كان لله تعالى كحد الزنا وحد شرب الخمر وما أشبههما لم يصح لمعنيين (أحدهما) أنه لما لم تصح الكفالة بما عليه من الحق لم تصح الكفالة ببدن من عليه (والثاني) لا، لان الكفالة وثيقة وحدود الله لا يستوثق بها لأنها تسقط بالشبهات. وإن كان الحد للآدمي كحد القذف والقصاص، فهل تصح الكفالة ببدن من عليه؟ فيه وجهان (أحدهما) لا تصح، لأنها لا تصح الكفالة بما عليه من الحق، فلم تصح الكفالة ببدنه. كمن عليه حد الزنا (والثاني) تصح الكفالة ببدنه لان عليه حقا لآدمي فصحت الكفالة ببدنه، كما لو كان له عليه دين (فرع) وان تكفل ببدن مكاتب السيدة لأجل مال الكتابة لم يصح، لان الحق الذي عليه غير لازم له فلم تصح الكفالة، قال ابن الصباغ: وان تكفل ببدن صبي أو مجنون صحت الكفالة لان الحق يجب عليهما، وقد يحتاج إلى