على أن يكون الربح لهما ولم يكن قد تقدم في المال عقد يصح حملهما عليه، فأخذ منهما جميع الربح، وعاوضهما على العمل بأجرة المثل وقدره بنصف الربح فرده عليهما أجرة، وهو اختيار أبي إسحاق المروزي.
(والثالث) أن عمر أجرى عليهما أجرا في الربح حكم القراض الصحيح، وإن لم يتقدم منهما عقد، لأنه كان من الأمور العامة ما يتسع حكمه عن العقود الخاصة، فلما رأى المال لغيرهما والعمل منهما ولم يرهما متعديين فيه، جعل ذلك عقد قراض صحيح، وهذا ذكره أبو علي بن أبي هريرة، فعلى هذا الوجه يكون القول والفعل معا دليلا، ثم الحديث الذي ساقه المصنف من مساقاة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شطر ما يخرج من تمر وزرع لا يدل بمنطوقه على هذا وإنما يدل بالمفهوم أو المحمول، لان المساقاة عمل في محل استوجب به شطر ثمرها فاقتضى ذلك جواز القراض من طريق المعنى. وقد ذهب الماوردي إلى أن صحة القراض دليل على جواز المساقاة.
قوله: النقار وهو مذاب الفضة وقبل الذوب هي تبر، والسبائك جمع سبيكة القطعة المستطيلة من الذهب.
والفلوس جمع فلس وهو أدنى ما يتعامل من المال، ويسمى في الشام قرشا وفى العراق فلسا، وفى مصر والسودان مليما، وفى الحجاز ونجد هللة، وفى اليمن بقشة، وفى المغرب والجزائر بيزا أو بسيطة، وفى اليونان دراخما، وفى اليابان ين، وفى إنجلترا وأمريكا بنس، والفرق بين الفلوس قديما وحديثا أوضحناها في كتابنا تاريخ النقود الاسلامية.
فإذا ثبت أن القراض جائز بين المتعاقدين لأنه عقد معونة وإرفاق، فإنه عقد اختيار وليس عقد لزوم ويجوز لمن شاء منهما أن يفسخه، ومن. أجل تيسير رد رأس المال على صاحبه لم يبحه الفقهاء إلا بالدراهم والدنانير.
قال الشافعي: ولا يجوز القراض إلا في الدراهم والدنانير التي هي أثمان الأشياء وقيمتها، وحكى عن طاوس والأوزاعي وابن أبي ليلى جواز القراض بالعروض لأنها كالدراهم والدنانير، ولان كل عقد صح بالدراهم والدنانير صح بالعروض