والحال الثانية: من أحوال الشفيع بعد علمه بالبيع أن يعفو عن الشفعة، والعفو على ضربين صريح وتعريض، فالصريح أن يقول: قد عفوت عن الشفعة أو تركتها أو نزلت عنها: فهذا مبطل لشفعته، والتعريض أن يساوم المشترى في الشقص أو يطالبه بالقسمة أو يستأجر منه أو يساميه، فهل يكون التعريض بهذه الألفاظ كصريح العفو في إبطال الشفعة أم لا؟ على قولين نص عليهما في القديم (أحدهما) أنها كالصريح في إبطال الشفعة (والثاني) إنه على حقه ما لم يصرح بالعفو لما فرق الله به في الخطبة بين حكم التعريض والتصريح.
فأما قوله للمشترى " بارك الله لك في صفقتك " فليس بعفو صريح ولا تعريض لان وصوله إلى الثمن من الشفيع بركة في صفقته، وهكذا لو شهد للمشترى في ابتياعه لم يكن عفوا صريحا ولا تعريضا، لان الشهادة وثيقة في البيع الذي بتمامه يستحق الشفعة. وجعل أبو حنيفة هذين الامرين عفوا صريحا والحال الثالثة بعد علمه بالبيع وتمكنه من الاخذ أن يمسك عن الطلب.
ففيه ثلاثة أقاويل:
(أحدها) وهو قوله في الجديد والاملاء وبه تقع الفتيا أن الشفعة قد بطلت بتقضي زمان المكنة وان حق طلبها على الفور (والثاني) أن حق الشفعة مؤقت بثلاثة أيام بعد المكنة، فإن طلبها إلى ثلاث كان على حقه، وان مضت الثلاث قبل طلبه بطلت قاله الشافعي في كتاب السير قال وهذا استحسان وليس بأصل.
(والقول الثالث) أن حق الشفعة ممتد على التراخي من غير تقدير بمدة، وبه قال في القديم.
(قلت) فإذا قيل بالأول (الفور) وبه قال أبو حنيفة، فإن أخذها فهي له وإن تركها رجع باللائمة على نفسه، وإذا قيل بالثاني بتقديره بثلاثة أيام بعد المكنة فوجهه أن الشفعة موضوعه لارتفاق الشفيع بها في التماس الحظ لنفسه في الاخذ والترك والاختيار والمشترى في حسن المشاركة ليقر، أو في سوء المشاركة ليصرف فكان تقديرها بثلاثة أيام يتوصل بها إلى إتمام حظه، ولا يضر المشترى