بمعناه مقصورا عليه منتفيا عما سواه. وهذا دليل وانفصال، فلو وكل الابن البالغ أباه في بيع سلعة، فاختلف أصحابنا هل يجوز له بيعها على نفسه أم لا؟ على وجهين:
(أحدهما) يجوز كما لو كان في حجره تغليبا لحكم الأبوة (والثاني) لا يجوز، لان ارتفاع الحجر يقتضى تغليب الوكالة.
(فرع) فأما الوصي والوكيل إذا أراد بيعها لمتولاه بالوصية والوكالة، على ابن نفسه أو على أب نفسه ففيه لأصحابنا وجهان (أحدهما) وهو قول أبي سعيد الإصطخري: أنه يجوز لأنه غير مبايع لنفسه (والوجه الثاني) وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يجوز لأنه مقهور في الميل إلى ولده كما كان مقهورا في الميل إلى نفسه. ولذلك لم يجز أن يشهد لولده، كما لا يصح منه الشهادة لنفسه فلم يجز مبايعة ولده بمال غيره، كما لم يجز مبايعة نفسه أو يشترى من نفسه، فمذهب الشافعي رضي الله عنه أنه غير جائز لما فيه تنافى المقصود والغرض من الوكالة قال الماوردي: لان عقد الوكالة قد أوجب عليه الاستقصاء لموكله، وإذا كان هو المشترى انصرف منه إلى الاستقصاء لنفسه. وقال ابن سريج: يجوز ذلك كما يجوز أن يجعل إلى زوجته الطلاق لنفسها أو إلى أمته عتقها قال الماوردي: وهذا خطأ لما ذكرنا في الفرق بين البيع والطلاق والعتق من ثلاثة أوجه (أحدها) أن في البيع ثمنا يختلف بالزيادة والنقصان، فصار بالميل إلى نفسه متهما فيه، وليس في الطلاق والعتق لمن تصير بالميل إلى نفسها متهمة فيه (والثاني) أن العتق والطلاق أوسع لوقوعهما بالصفات، والبيع أضيق حكما منهما.
(والثالث) أنه ليس في الطلاق والعتق قبول معتبر. وفى البيع قبول معتبر فلم يجز أن يكون الباذل قابلا.
فأما إذا وكله رجل في بيع سيارته ووكله آخر في شراء السيارة الموكل في بيعها لم يجز لتنافي المقصود في العقدين، وكان له أن يقيم على إحدى الوكالتين، فإن أراد أن يقيم على أسبقهما في بيع أو شراء جاز، وإن أراد أن يقيم على الثانية فيهما بيعا كان أو شراء احتمل وجهين، لان ثبوت الأولة يمنع من جواز الثانية