لذلك نجده شديد الحب لآل بيت رسول الله الذي هو منهم أيضا. فلذلك لما رماه الحاسدون بالرفض أنشد وقال:
إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني رافض وهذا التعلق بأهل البيت لم يجره إلى النيل من الشيخين أبي بكر وعمر والطعن في خلافتهما، بل كان يرى لهما ولغيرهما من الصحابة فضلا في نشر الاسلام وإعلاء كلمة الله.
معنى الحرية في نظر الشافعي: كان الشافعي يرى الحرية في القناعة، والذل كل الذل في الطلب والسؤال فيقول.
العبد حر إن قنع * والحر عبد إن قنع فاقنع ولا تقنع فلا * شئ يشين سوى الطمع فلذلك نحد القناعة والاعتزاز بالرضا بما قسم الله ماثلا في قوله:
أمطري لؤلؤ جبال سرنديب * وفيضي آبار تكرور تبرا أنا إن عشت لست أعدم قوتا * وإذا مت لست أعدم قبرا همتي همة الملوك ونفسي * نفس حرة ترى المذلة كفرا دخل على الشافعي طالب بعد انتهاء الدرس وقال له: أوصني فقال الشافعي: يا بني خلقك الله حرا فكن كما خلقك وفاته: أقام الشافعي في مصر خمس سنين وتسعة أشهر من 28 شوال سنة 198 ه إلى 29 رجب سنة 204 ه يعلم الناس ويؤلف ثم أصابه نزف شديد بسبب البواسير فاشتد به الضعف فلم يستطع الخروج لمزاولة التدريس فزاره تلميذه " المزني " فسأله عن حاله فقال: أصبحت والله لا أدري، أروحي تساق إلى الجنة فأهنئها، أم إلى النار فأعزيها؟ ثم رفع بصره إلى السماء وقال أبياتا، منها: ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلا قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما وبعد ذلك نظر إلى من حوله من أهله وقال لهم: إذا أنا مت فاذهبوا إلى الوالي واطلبوا منه أن يغسلني. وفي ليلة الجمعة الأخيرة من شهر رجب سنة 204 ه بعد العشاء الأخيرة فاضت روحه الطاهرة إلى باريها بين يدي تلميذه " الربيع الجيزي " وانتشر خبر وفاته في مصر فعم أهلها الحزن فخرجوا يريدون حمله على أعناقهم وهو في اضطراب من شدة الزحام.
وأصبح يوم الجمعة وذهب أهله إلى الوالي وطلبوا منه الحضور لغسل الإمام كما أوصى، فقال لهم الوالي: هل ترك الإمام دينا؟ قالوا: نعم، فأمر الوالي بقضاء ذلك الدين، ثم نظر إليهم وقال لهم:
هذا معنى غسلي له وبعد صلاة العصر خرجت الجنازة فما وصلت شارع السيدة نفيسة الآن خرجت السيدة نفيسة وأمرتهم بإدخال النعش إلى بيتها فصلت عليه وترحمت، ثم سير بالجنازة إلى القرافة الصغرى المعروفة وقتئذ بتربة أولاد عبد الحكم وفيها الشافعي وعرفت بعد دفنه بتربة الشافعي إلى وقتنا هذا: