فأجابه الشافعي قائلا:
أقول معاذ الله أن يذهب التقى * تلاصق أكباد بهن جراح فلم يفهم الحاضرون المراد من هذه المحاورة، فأبان لهم الشافعي أنه يسأل عن حكم تقبيل الرجل زوجته في نهار رمضان، فأحبوا أن يستيقنوا جلية المسألة فاتبع السائل أحدهم وسأله عما أراد من كلامه مع الإمام فكان الجواب من السائل كما قال الشافعي.
ثناء الأئمة عليه: يروي الخطيب في " تاريخ بغداد " عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك أنه قال: ما أتاني قرشي أفهم من الشافعي، وكان سفيان الثوري إذا سئل عن شئ من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي وقال: سلوا هذا، وأما شيخه مسلم بن خالد الزنجي فإنه قال للشافعي وهو ابن خمس عشرة سنة: قد والله آن لك أن تفتى، وأما يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل فكل واحد منهما كان يقول: إني لأدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربعين سنة وأستغفر له.
وكان أحمد بن حنبل يقول لابنه: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن فانظر، هل لهذين من خلف؟ وأثنى أبو يوسف صاحب أبي حنيفة أيضا على الشافعي وقال: مثلك يصلح للتصنيف.
وما ذكرناه من ثناء الأئمة على الشافعي قل من كثر، وغيض من فيض، وقطرة من بحر، فمن أراد المزيد فعليه بالمؤلفات الخاصة في مناقب الشافعي وكتب التراجم المطولة.
وليس الشافعي ممن يترجم له في أوراق أو كراريس وقد أفرد فريق من أجلة العلماء مؤلفات خاصة في سيرته ومناقبه ولكن أحببنا أن نوضح الخطوط العريضة في حياة هذا الإمام الفذ رضي الله عنه.
مؤلفاته: لما دخل الشافعي المسجد في بغداد لصلاة المغرب رأى غلاما حسن القراءة يصلي بالناس فصلى الشافعي خلفه فسها الغلام في الصلاة ولم يعرف كيف يفعل، فقال له الشافعي، أفسدت صلاتنا يا غلام، ثم بدأ من حينه في وضع كتاب في السهو في الصلاة. وقد فتح الله عليه فجاء كتابا كبيرا سماه " الزعفران " نسبة إلى اسم ذلك الغلام الذي سها في الصلاة. وقد روى هذا الكتاب الحسن بن محمد الزعفراني وأحمد بن حنبل وعرف هذا كتاب ب " الحجة " وهو أحد الكتب القديمة التي وضعها الشافعي بالعراق، وألف أيضا في مصر " الرسالة " وهي أول كتاب وضع في أصول الفقه ومعرفة الناسخ من المنسوخ بل هو أول كتاب في أصول الحديث وألف كتابا اسمه " جماع العلم " دافع فيه عن السنة دفاعا مجيدا وأثبت ضرورية حجية السنة في الشريعة وكتاب " الأم " و " الاملاء الصغير " و " الأمالي الكبرى " و " مختصر المزني " و " مختصر البويطي " وغيرها.
وكتاب " الرسالة " وكتاب " جماع العلم " حققهما ونشرهما فقيد علم الحديث الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى.
أصول مذهبه: بنى الإمام الشافعي مذهبه على الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس، ولم يجنح إلى الاستحسان الذي ذهب إليه الإمام أبو حنيفة. وتحرير القول في الخلاف بين الحنفية والشافعية في اتخاذ الاستحسان أصلا في الشريعة محله كتب الأصول.
اعتزازه بنسبه: كان الشافعي يفخر بنسبه على سبيل التشرف لا على سبيل الاستعلاء على الناس.