ابتدأ الشافعي حياته العلمية في مصر وصار يلقي دروسه بجامع عمرو بن العاص، فكان يشتغل بالتدريس من الفجر إلى عليه صلاة الظهر وكانت دروسه متنوعة فكان بعد صلاة صبح مباشرة يجئ أهل القرآن فيقرءون ويسمعون منه، وإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فإذا كان الضحوة الصغرى قاموا وحضر قوم للمناظرة ثم يجئ أهل العربية والعروض والشعر والنحو ولا يزالون كذلك إلى قرب انتصاف النهار، وبعد ذلك ينصرف الشافعي إلى داره ومعه بعض تلاميذه كالمزني، والربيع الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم ويقول: الدنيا سفر ولا بد للسفر من العصا، وهو أول من سن سنة العمل في مصر إلى الظهر، وكان يشتغل في التدريس من الفجر إلى الظهر.
وكان العلماء يتلقون عنه العلم في الجامع وعلى باب داره إلا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فإنه كان يصعد إلى أعلى الدار ويتغدى عند الشافعي، وإذا نزل أركبه دابته وأتبعه بصره حتى يغيب، فإذا غاب كان يقول: وددت لو أن لي ولدا مثله وعلي ألف دينار لا أجد لها وفاء.
فتلقى عن الشافعي العلم علماء كثيرون، منهم الربيع الجيزي (وقد سميت الجيزة باسمه) والبويطي، وإسماعيل المزني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وحرملة التجيبي وغيرهم، وكلهم صاروا أئمة في الدين والأدب.
ونبغ على الشافعي أيضا نساء كثيرات كالسيدة أخت المزني التي أخذ عنها العلماء وأدرج اسمها في جدول كبار فقهاء الشافعية.
وكان الربيع الجيزي أكثر الناس ملازمة للإمام الشافعي.
وكان الشافعي مغرما بقصب السكر، حتى كان يمازح جالسيه ويقول لهم: ما أقمت في مصر إلا حبا بالقصب.
مكانته العلمية: كان الشافعي رضي الله عنه حائزا القدح المعلى في كل فن، كان في العربية مرموق المكانة ويكفي أن الراوية لأشعار العرب " الأصمعي " كان يفتخر حيث تلقى على الشافعي أشعار الهذليين.
ولما قال الشافعي ذاكرا أقسام المياه الماء المالح، انتقده البعض حيث لم يقل " الملح " جريا مع القرآن (وهذا ملح أجاج) انبرى الزمخشري رادا على هؤلاء المنتقدين، وبين أن الشافعي حجة في اللغة وأورد قول الشاعر العربي.
فلو تفلت في البحر والبحر مالح * لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا ثم تمثل الزمخشري وقال:
وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم.
كما أن الشافعي على قدم راسخة في علم الفلك، والطب، والأنواء، والنجوم المتنقلة في سيرها وغير المتنقلة، يعرف هذا كل من قرأ سيرته في المؤلفات الخاصة في مناقبه.
حدة ذكائه وفراسته: أما الكلام على ذكائه وحدة فراسته فمتسع الجوانب نذكر منها مسألة واحدة وهي: بينما الشافعي في مجلسه إذا أتاه آت وقال له:
سل العالم المكي هل في تزاور * وضم لمشتاق الفؤاد جناح؟