وكان بصيرا وسعه أن يقبل قوله إذا كان يصدقه وتصديقه أن لا يرى أنه كذبه (قال) ولا يسعه أن يقبل دلالة مشرك وإن رأى أنه قد صدقه لأنه ليس في موضع أمانة على القبلة (قال الشافعي) وإذا أطبق الغيم ليلا أو نهارا لم يسع رجلا الصلاة إلا مجتهدا في طلب القبلة إما بجبل وإما ببحر أو بموضع شمس إن كان يرى شعاعا أو قمر إن كان يرى له نورا أو موضع نجم أو مهب ريح أو ما أشبه هذا من الدلائل وأي هذا كان إذا لم يجد غيره أجزأه فإن غمي عليه كل هذا فلم يكن له فيه دلالة صلى على الأغلب عنده وأعاد تلك الصلاة إذا وجد دلالة وقلما يخلو أحد من الدلالة وإذا خلا منها صلى على الأغلب عنده وأعاد الصلاة وهكذا إن كان أعمى منفردا أو محبوسا في ظلمة أو دخل في حال لا يرى فيها دلالة صلى على الأغلب عنده وكانت عليه الإعادة ولا تجزيه صلاة إلا بدلالة على وقت وقبلة من نفسه أو غيره إن كان لا يصل إلى رؤية الدلالة.
فيمن استبان الخطأ بعد الاجتهاد أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ آتاهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة (قال الشافعي) وإذا غاب المرء عن البيت والمسجد الحرام الذي فيه البيت فاجتهد فرأى القبلة في موضع فلم يدخل في الصلاة حتى رآها في موضع آخر صلى حيث رأى آخرا ولم يسعه أن يصلى حيث رأى أولا وعليه اجتهاده حتى يدخل في الصلاة (قال) ولو افتتح الصلاة على اجتهاده ثم رأى القبلة في غيره فهذان وجهان أحدهما إن كانت قبلته مشرقا فغمت السماء سحابة أو أخطأ بدلالة ريح أو غيره ثم تجلت الشمس أو القمر أو النجوم فعلم أنه صلى مشرقا أو مغربا لم يعتد بما مضى من صلاته وسلم واستقبل القبلة على ما بان له لأنه على يقين من الخطأ في الأمر الأول فان الكعبة في خلاف الموضع الذي صلى إليه فهو إن لم يرجع إلى يقين صواب عين الكعبة فقد رجع إلى يقين صواب جهتها وتبين خطأ جهته التي صلى إليها فحكمه حكم من صلى حيث يرى البيت مجتهدا ثم علم أنه أخطأ (قال) وكذلك إذا ترك الشرق كله واستقبل ما بين المشرق والمغرب وعلى كل من أخطأ يقينا أن يرجع إليه ويقين الخطأ يوجد بالجهة وليس على من أخطأ غير يقين عين أن يرجع إليه ومن رأى أنه تحرف وهو مستيقن الجهة فالتحرف لا يكون يقين خطأ وذلك أن يرى أنه قد أخطأ قريبا مثل أن تكون قبلته شرقا فاستقبل الشرق ثم رأى قبلته منحرفة عن جهته التي استقبل يمينا أو يسارا وتلك جهة واحدة مشرقة لم يكن عليه إن صلى أن يعيد ولا إن كان في صلاة أن يلغي ما مضى منها وعليه أن ينحرف إلى اجتهاده الآخر فيكمل صلاته لأنه لم يرجع من يقين خطأ إلى يقين صواب جهة ولا عين وإنما رجع من اجتهاده بدلالة إلى اجتهاد بمثلها يمكن فيه أن يكون اجتهاده الأول أصوب من الآخر غير أنه إنما كلف أن يكون في كل صلاته حيث يدله اجتهاده على القبلة (قال) وهكذا إن رأى بعد الاجتهاد الثاني وهو في الصلاة أنه انحرف قليلا ينحرف إلى حيث يرى تكمل صلاته واعتد بما مضى فإن كان معه أعمى انحرف الأعمى بتحرفه ولا يسعه غير ذلك وكذلك في الموضع الذي تنتقض فيه صلاته بيقين خطأ القبلة تنتقض صلاة الأعمى معه إذا أعلمه فإن لم يعلمه ذلك في مقامه فأعلمه إياه بعد أعاد الأعمى وإن اجتهد بصير فتوجه ثم عمى بعد التوجه فله أن