وفي الصحيح عن علي بن الحسين (عليهما السلام): كنت مع أبي في الليلة التي قتل في صبيحتها، فقال لأصحابه: هذا الليل فاتخذوه جنة، فإن القوم إنما يريدوني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حل وسعة، فقالوا: والله لا يكون هذا أبدا، فقال: إنكم تقتلون غدا كلكم، ولا يفلت منكم رجل، قالوا: الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك (1).
وأما الحسن (عليه السلام) فخطب بعد وفاة أبيه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا.
ثم أصبحتم تصدون [تعدون] قتيلين: قتيلا بصفين تبكون عليهم، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر.
وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا عن القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله.
فنادى القوم بأجمعهم: بل البقية والحياة (2).
ولما وجه إلى معاوية قائدا في أربعة آلاف، وكان من كندة، وأمره أن يعسكر بالأنبار، كتب إليه معاوية: إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام، أو الجزيرة، غير منفس عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم، فقبض الكندي المال وقلب على الحسن (عليه السلام)، وصار إلى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته.
فبلغ ذلك الحسن (عليه السلام) فقام خطيبا وقال: هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي