أهل العربية أن الاستثناء إذا وقع من كلام مثبت يكون نفيا للمستثنى، وإذا وقع من كلام منفي يكون اثباتا للمستثنى، وكل هذا واضح لا يشك فيه أحد من أهل اللغة ويجري عليه حتى العامة من أهل العرف العربي الدارج، فإذا قال القائل منهم:
زارني أهل القرية إلا موسى، عرف الجميع من قوله إن أهل القرية، كلهم قد جاؤوا إلى زيارته وإن موسى وحده لم يزره، وإذا قال: لم يدخل المسجد أحد في هذا اليوم إلا عبد الله، فهموا من خبره أن الجميع لم يدخلوا المسجد في ذلك اليوم، وقد دخله عبد الله وحده.
وعلى مجرى هذه الأمور الواضحة فإذا قال الرجل: يملك زيد في ذمتي مائة دينار إلا خمسة دنانير فقد أقر في قوله هذا بأن لزيد في ذمته خمسة وتسعين دينارا فله الحق في أن يطالب المقر بهذا المبلغ، ولا يحق له أن يطالبه بالخمسة دنانير التي تكمل بها المائة دينار، إلا إذا ثبت استحقاقه إياها بحجة شرعية.
وإذا قال: ليس لزيد عندي حق إلا عشرة دنانير، فقد أقر لزيد بأن له عنده عشرة دنانير، فله أن يطالبه بها ويأخذها منه، ولا يحق له أن يطالب بأكثر من العشرة ولا بغيره من الحقوق إلا أن يثبته بوجه شرعي، وإذا قال: ليس لي في ذمة زيد سوى مائة دينار، فقد أقر لزيد بأن المقر لا يستحق في ذمته غير المائة، فلا يجوز له أن يطالب زيدا بأكثر منها، وهو يدعي في ضمن اقراره بأن له في ذمة زيد مائة دينار فعليه أن يثبت صحة دعواه بها إذا أراد ذلك.
وإذا قال: لي عند زيد مائة دينار إلا عشرة دنانير، فقد ادعى أنه يستحق عند زيد تسعين دينارا، وأقر لزيد في ضمن ادعائه عليه بأن المقر لا يستحق عنده العشرة التي تكمل بها المائة فيؤخذ بما أقر، ويحتاج في تصحيح دعواه إلى الاثبات.