ومن الأمثلة المعروفة للمسألة بين الفقهاء أن يقول الرجل: إن لزيد عندي وديعة من المال، ثم يقول بعده: وقد تلفت الوديعة في يدي، فيثبت بهذا القول اقرار الرجل لزيد بالوديعة، ولا يبطل هذا الاقرار باخبار الرجل بأن الوديعة قد تلفت، فإن قوله له عندي وديعة نام الدلالة والظهور في أن الوديعة عنده، ولم تزل، ولو أنها تلفت لم تكن عنده، فيؤخذ باقراره، ويلزم بدفع الوديعة لزيد أو يثبت تلفها بحجة شرعية مقبولة.
ولو أنه قال: كانت لزيد عندي وديعة، ثم قال وقد تلفت الوديعة في يدي صح قوله الثاني وقوله الأول، ولم يكن تناف بين القولين، وكان قوله يشتمل على اقرار منه بالوديعة ودعوى منه بتلفها، فيثبت اقراره ويؤخذ به، وعلى المقر والمقر له إذا أحبا أن يرجعا إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما دعوى تلف الوديعة أو يرجعا إلى المصالحة بينهما.
ومن الأمثلة المعروفة للمسألة، أن يقول الرجل: يملك فلان عندي عشرة دنانير، ثم يقول: لا بل تسعة، فلا يقبل منه قوله الثاني بالنفي ويلزم باقراره الأول بالعشرة، ومن أمثلة ذلك أيضا أن يقول: يملك فلان عندي مائة دينار، ثم يقول: و هي ثمن خمر أو ثمن خنزير أو من لعب قمار، فيثبت اقراره بالمال، ويلزم بدفعه لمن أقر له، ولا يسمع منه قوله الثاني.
(المسألة 37):
الاستثناء في اللغة العربية أحد مقومات الدلالة على المراد في الجملة التي يقع فيها الاستثناء، ولذلك فلا يتم ظهور الجملة في المعنى المراد منها إلا به وليس هو من تعقيب الكلام بكلام آخر ينافيه ويبطل ظهوره، كما في الأمثلة التي ذكرناها وتعرضنا لبيان حكمها في المسألة الماضية، ومن القواعد المعروفة بين