فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كف أذاهم بذلك، ولأنه كان يأخذ جزية لا صدقة وزكاة، ولأنه يؤدي إلى أن يأخذ أقل من دينار بأن تكون صدقته أقل من ذلك - وهذا لا يجوز بناء على أن أقل الجزية دينار - ولأنه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الإسلام مؤبدا بغير عوض وهو ما إذا لا يكون له زرع ولا ماشية) (1).
أقول: الشاهد على مختار الأصحاب مضافا إلى ما ذكره العلامة، ما رواه الصدوق في الفقيه عن الرضا عليه السلام أن بني تغلب أنفوا من الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم فخشى أن يلحقوا بالروم، فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم، وضاعف عليهم الصدقة، فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به إلى أن يظهر الحق (2).
فإن الظاهر من قوله عليه السلام: (فعليهم ما صالحوا عليه ورضوا به) وإن كان تقرير ما صنعه عمر، إلا أن المستفاد من قوله: (إلى أن يظهر الحق) أن ما فعله عمر على فرض حجيته كان حسب ما اقتضته مصلحة وقتية، فلا موجب له بعد انتفاء تلك المصلحة بصيرورة المسلمين ذا قوة وشوكة.
أضف إلى ذلك: إذا كان الموجب لما صنعه عمر هو مصلحة المسلمين، كما اعترفوا به، فلا يختص ذلك ببني تغلب لما يأتي من أن أمر الجزية كما وكيفا بيد الإمام حسب ما يراه من المصلحة.
وروى من طريق العامة ما يؤيد ويؤكد مختار الأصحاب وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام: لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي لأقتلن مقاتلتهم، ولأسبين ذراريهم، قد نقضوا العهد، وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم) (3) فإنه كالصريح في عدم الفرق بين بني تغلب وغيرهم في حكم الجزية وإن صاروا مستحقي القتل بسبب نقضهم العهد.