الموصوف بصفات الاستحاضة حيضا أولى من جعل النقاء كذلك، لقيام الأمارة ههنا على الاستحاضة وعدم الحيضية بخلاف هناك.
ثم على فرض أمارية أوصاف الاستحاضة كما هو التحقيق فهل تصير المرأة فاقدة التمييز، أو يحكم بكون الدم المتقدم حيضا والمتوسط استحاضة ويتبعها المتأخر، أو يعكس الأمر فيحكم بكون الدم المتقدم والمتوسط استحاضة دون المتأخر؟ وجوه أوجهها الأول، لمعارضة الأمارات في الأطراف، فالأخذ بأمارة الطرفين تعارضه أمارة الوسط، والأخذ بالوسط واتباع الأول أو الثاني تعارضه أمارة الحيضية ومع عدم رجحان شئ منها لا يمكن الأخذ بواحدة منها، فتصير فاقدة التمييز من هذه الجهة وإن كانت واجدة من بعض الجهات، فإن أمارة الحيض في الطرفين توجب انحصار الحيض في أحدهما كما أن أمارة الاستحاضة في ما بعد الأيام تدفع حيضيته.
وقد يقال: إن المتجه في هذه الصورة الحكم بكون الوسط استحاضة وكون الأسود اللاحق تابعا له، لاطلاق أدلة الأوصاف المقيدة بالامكان، فحينئذ يكون الأصفر موجودا في زمان إمكان الاستحاضة بخلاف الأسود اللاحق، فإنه وجد في زمان امتناع الحيضية إلا على فرض كون الأصفر حيضا، وحيث إن الأصفر طهر بمقتضى إطلاق الأدلة فالأسود اللاحق ليس بحيض. وببيان آخر: اعتبار وصف الدم اللاحق موقوف على عدم اعتبار صفة الدم السابق، فلو كان عدم اعتبار صفة السابق موقوفا على اعتبار صفة اللاحق لزم الدور.
وفيه أن ترجيح أمارية صفة السابق على صفة اللاحق إن كان لتقدمها الزماني فلا وجه له، ضرورة أن مجرد القبلية في التحقق لا يوجب الترجيح عقلا ولا نقلا، وإن كان لأجل امتناع الأخذ بالثاني لكونه موجودا في زمان يمتنع أن يكون حيضا ففيه أنه مستلزم للدور، لأن الامتناع يتوقف على الترجيح، ولو كان الترجيح متوقفا على الامتناع لزم الدور. وأما الدور المدعى ففيه ما لا يخفى، ضرورة أنه لا توقف لأحد الطرفين على الآخر، ولا تقدم ولا تأخر لأحدهما حتى بتحقق التوقف.
مع أنه يمكن المعارضة بأن اعتبار وصف الدم السابق موقوف على عدم اعتبار صفة