على أن الرجوع إلى السبع والثلاث والعشرين سنة التي فقدت الأمارتين المتقدمتين وتكون الاستحاضة دارة عليها، ويكون في جميع الأوقات لها در ودفع وعلى لون واحد وعلى حالة واحدة، فمن كانت قصتها هذه لا إشكال في أنها ترجع إلى الروايات، فلا يستفاد منها أن المبتدئة إذا رأت أول ما رأت بصفة الحيض لا تكون الصفات أمارة لها، كيف وصدر الرواية يدل على أمارية الصفات مطلقا، حيث قال: فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره، وتغير لونه من السواد إلى غيره، وذلك أن دم الحيض أسود يعرف. فترى كيف علل رجوعها إلى الصفات بقوله " إن دم الحيض أسود يعرف " فيعلم منها أن العلة في الرجوع هي كون مهية دم الحيض بهذه الصفة لا أن صنفا منها كذلك، فتدل على أن هذه الصفات من مميزات هذه المهية عن مهية الاستحاضة، ولهذا أرجعها إليها، فيستفاد منها أنه كلما وجدت هذه الصفة امتاز الحيض عن الاستحاضة في ما دار الأمر بينهما في غير ذات العادة التي سنتها الرجوع إليها. والظاهر أن المسألة لا تحتاج إلى زيادة إطناب.
ثم إن صريح المستند وظاهر الحدائق والمحكي عن المدارك أن هذه الأوصاف خاصة مركبة متى اجتمعت في الدم يحكم بأنه حيض، واستدل الأول منهم بأن ذلك مقتضى الجمع بين الروايات التي ذكرت بعضها وما ذكر الجميع بتقييد الاطلاق. وهو في غاية البعد، فإنه لا توجد في الروايات رواية تستجمع جميع الصفات وأجمع الروايات في ذلك صحيحة حفص، حيث قال فيها: " إن دم الحيض حار عبيط أسود، له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة ودفع و سواد فلتدع الصلاة " ومع ذلك لم تذكر فيها الكثرة التي ذكرها صحيحة " أبي المغرا " ورواية ابن مسلم في باب جمع الحيض والحمل، وترك الحرقة المذكورة في موثقة إسحاق بن جرير، وترك ذكر العبيط في ذيلها مع ذكرها في صدرها. ودعوى تقييد كل رواية برواية أخرى في غاية البعد، بل ارتكابه في مرسلة يونس ممتنع، فإن أبا عبد الله عليه السلام نقل قضية شخصية عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لفاطمة بنت أبي حبيش: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي " فترك أبي عبد الله عليه السلام