الاستحاضة لا غير، ألا ترى إلى صحيحة حفص بن البختري مع كون السؤال عن أنها لا تدري حيض هو أو غيره أجاب عن الحيض والاستحاضة وسكت عن غيرهما؟ وذلك لأن نوع الاشتباه الحاصل للنساء إنما هو الاشتباه بين الدمين، وأما سائر الدماء فنادرة الوجود لا يكون السؤال والجواب محمولين عليها إلا بالتنصيص، فيكون محط الجواب والسؤال هو الاختلاط والاشتباه بين الدمين، فلا يمكن استفادة الأمارة المطلقة لا من منطوقها ولا من مفهوم مثل رواية حفص، فدعوى دلالة السياق على مدعاهم في غاية السقوط، بل دعوى دلالته على تشخيص الدمين قريبة جدا.
نعم، حمل الروايات على التشخيص بين الدمين في حال الاستمرار بحيث يكون التمييز بها لمستمرة الدم كما ذهب إليه الشيخ الأعظم بل نسب إلى المشهور غير وجيه ظاهرا، لأن السؤال في صحيحة ابن البختري مثلا وإن كان عن مستمرة الدم لكن ظاهر الجواب هو ذكر الأوصاف التي لماهية دم الحيض في مقابل مهية دم الاستحاضة لا قسم خاص منه، فقوله عليه السلام بعد السؤال " إن دم الحيض حار عبيط....
ودم الاستحاضة أصفر بارد " ظاهر في أن هذه الأوصاف لطبيعة الدمين وماهيتهما لا لصنف خاص منهما، كما أن قوله عليه السلام في موثقة إسحاق " إن دم الحيض ليس به خفاء، وهو دم حار.... ودم الاستحاضة دم فاسد... يدل على ما ذكرنا، وحمله على صنف خاص بمجرد كون السؤال عنه بعيد، وقوله " فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة " متفرعا على قوله السابق في الصحيحة يؤيد ما ذكرنا.
ويدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته، قال: أبو عبد الله عليه السلام : إن دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد، إن دم الاستحاضة بارد، وإن دم الحيض حار " (1) ولا تكون هذه الرواية مسبوقة بالسؤال حتى يأتي فيها ما ذكر في غيرها، ولو سلم عدم الاستفادة مما سبق فلا مجال لرفع اليد عن ظهورها في أن وصف الحرارة لمطلق دم الحيض، ولا إشكال في كونها بصدد بيان تشخيص الدمين، ولا معنى للاهمال في هذا الحال، وغاية الأمر في الروايات الأخر عدم الدلالة