ويعد الاجتناب عن تبني طريقة القياس والاستفادة من المصالح المرسلة معلم بارز آخر يمتاز به الفقه الشيعي، فيما يزخر الفقه لدى أهل السنة بالاستدلال وفقا لطرق القياس والاستحسان والمصالح المرسلة.
ومن هنا نجد أئمتنا من أهل البيت (عليهم السلام)، وفي مناسبات متعددة، وفي مقاطع زمنية مختلفة، يشددون على أتباعهم على ضرورة اجتناب القياس والاستحسان، فوضعوا بذلك تلامذتهم ومريديهم في الطريق الصحيح والجادة الصواب، فالأحكام الإلهية يجب أن لا تخضع لمقاييس العقل البشري، ومن أجل هذا روي عنه صلوات الله عليهم: (أن السنة إذا قيست محق الدين) و (أن دين الله لا يصاب بالعقول).
ولا ننكر وجود بعض التناغم مع المباني الفقهية لدى أهل السنة في كتب كبار علماء الشيعة، وبالتحديد لدى المتقدمين منهم، كشيخ الطائفة الطوسي والعلامة الحلي.
إذ يبدو من خلال آثار الفقيهين العظيمين أنهما كانا يرميان إلى إقناع فقهاء أهل السنة فاستعمال طرق استنباط مماثلة لما هو موجود لدى أهل السنة لا يعني تبنيا لها، بقدر ما يكون محاولة لردم هوة الاختلاف بين الفريقين.
ولذا فإننا نجد - وبعد تنامي الكيان السياسي الشيعي وبالتحديد في العصر الذي أعقب عصر الشهيد الأول - نجد طرق الاستدلال الشيعي متمحضة وفق مباني المدرسة الإمامية وفي ضوء تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، أما متبنيات أهل السنة في طرق الاستدلال فقد اختفت تماما لتحل مكانها آثار الأئمة الأطهار.