قال: وتهيأ الحسين عليه السّلام وعزم على الخروج من المدينة ومضى في جوف الليل الى قبر أمه فصلى عند قبرها وودّعها، ثم قام من قبرها وصار إلى قبر أخيه الحسن عليه السّلام ففعل كذلك، ثم رجع إلى منزله في وقت الصبح فأقبل اليه أخوه محمّد بن الحنفية، فقال له: يا أخي فدتك نفسي أنت أحب الناس اليّ وأعزهم عليّ، ولست واللَّه أدخر النصيحة لأحد من الخلق وليس أحد أحق بها منك، لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي، لأن اللَّه تبارك وتعالى قد شرّفك وجعلك من سادات أهل الجنة.
اني أريد أن اشير عليك فاقبل مني، فقال له الحسين: قل يا أخي ما بدا لك.
فقال: أشير عليك ان تتنحى بنفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، وان تبعث رسلك إلى الناس فتدعوهم إلى بيعتك، فان بايعك الناس حمدت اللَّه على ذلك وقمت فيهم بما كان يقومه رسول اللَّه والخلفاء من بعده حتى يتوفاك اللَّه وهو عنك راض، والمؤمنون عنك راضون كما رضوا عن أبيك وأخيك، وان اجتمع الناس على غيرك حمدت اللَّه على ذلك وسكت ولزمت منزلك، فاني خائف عليك ان تدخل مصراً من الأمصار أو تأتي جماعة من الناس فيقتتلون فتكون طائفة منهم معك وطائفة عليك فتقتل بينهم.
فقال له الحسين: يا أخي فالى أين أذهب؟ قال: تخرج إلى مكة فان اطمأنت بك الدار بها فذاك الذي تحب، وان تكن الاخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدك وأبيك وأخيك، وهم أرأف وأرقّ قلوباً وأوسع الناس بلاداً وأرجحهم عقولًا، فان اطمأنت بك أرض اليمن فذاك، والا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وصرت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول اليه أمر الناس، ويحكم اللَّه بيننا وبين القوم الفاسقين.