السبب توجه الرطوبات إلى الاغوار فتهيج الحرارة وعليهما ما على الأول من المناقشة دون الرد وقال ابن رشد إن السبب في ذلك أن الحرارة تحيل الغذاء إلى ما يشابه العضو والأعضاء مملوءة بالحرارة الغريبة فيصير الغذاء مثلها فتتقوى به ورده الفاضل العلامة بأن ذلك لو صح لكان يجب أن لا تشتد إلا بعد الهضم والحال أنها تشتد من حين وروده على المعدة وأجاب النفيسي في شرح الأسباب عن كلام العلامة بأن الغذاء يقوى الحرارة الغريبة في المعدة من حين وروده إليها ثم يقوى الغريزية بعد الهضم والمشابهة كما نشاهد من انتعاش ساقط القوة بالجوع بمجرد أخذه الغذاء وهو جواب في غاية الجودة به يكون تعليل ابن رشد أحسن الأقوال هنا لكني أقول إن هذا يلزم منه أن لا تشتد إلا بعد غذاء يكون منه الغذاء بالفعل ونحن نراها تشتد بعد نحو الباقلا اشتدادها بعد نحو مرق الفراريج ويمكن أن يقال إنه ما من وارد من مأكول إلا وفيه غذاء وأن الاشتداد يتفاوت وإن لم ينضبط لكل حس، وبالجملة فهذا التعليل أحسنها إن سلم مما قلناه وإلا فالأول وما قيل من أن الاشتداد لتراقي الأبخرة يلزم عليه قوتها في الأعالي خاصة بل ظهورها، وبالجملة فهذا التزيد لا يدل على فساد ولا يجوز قطع الغذاء من أجله لان ذلك يعجل بالموت وأن يكون النبض صلبا متواترا يغلظ بعد الغذاء ويدق إذا انحل هذه كلها علامات الدق مطلقا وتزيد في الذبول انخفاض النبض وضيقه وذهاب رونق اللون ويدق الانف ويطول الشعر وتمتد جلدة الجبهة وتغور العينان والصدغ ويسيل الحاجب ويقل رفع الجفن فإذا انتقلت إلى المرسلة قل ظهور الحرارة أو عدم وصار النبض غليا والقارورة دهنة صفائحية واخضرت الأظفار وأحس منها ومن منخسف الصدر بالجذب ورق الصوت ودقة الساق ويبس الملمس وضاق النفس وظهر سعال خفيف فإن كان مع ذلك إسهال وكان دما فالموت في الرابع وإلا فالسابع لأنه ذوبان يسرع بالتجفيف قالوا ومن علاماتها كثرة القمل قرب الموت وتغير الرائحة (العلاج) ملاك الامر فيه التبريد وتوفير الرطوبات لتشتغل بها الحرارة المشتعلة عن تحليل البدن وألطفه بالأغذية الجالبة للدم الذي يسرع التصاقه وتشبثه كحليب اللوز بالسكر ومرق الفراريج والقرع والرجلة، ومن المجرب أن ترض الدجاجة بعد تقطيعها وتجعل في قارورة ومعها اللوز المسحوق وتسد وتوضع في الماء وتطبخ حتى تتهرى وتستعمل والاكثار من الطين الأرمني وماء الورد مع السكر والمروخات بالادهان المرطبة كالبنفسج والقرع والخس والفاغية والآس وفرش الأزهار والتبريد حوله والاستنقاع في الأبازين من غير مكث يحلل وتعديل الهواء وتبريده ما أمكن والامساك عن الجماع وعن لبس ما يجفف كالصوف والشعر وعن قرب النار والشمس وينبغي لهم ملازمة الألعبة والادهان والراحة ولبس المصقول والكتان وشرب اللبن الحليب مع السكر كثيرا، ومما جربناه أن يؤخذ جزء ماء خس وماء ورد وماء عليق ونصف جزء ماء ليمون ويخلط بها طيب الصندل ودقيق الشعير والاسفيداج ويطلى بها البدن المرة بعد المرة مع ملازمة ما ذكر وربما احتيج عند شدة الاعراض إلى قطع الذفر فلا شئ حينئذ فليكن الغذاء ماء الشعير المبزر مع العناب وقطع السفرجل والكمثرى والتفاح وكذا ماء الرجلة بالسكر وتجتنب الاسهال المفرط لئلا يحل القوى بسرعة وعليه الاكثار من حك الرجلين وغسلهما بالماء الفاتر ودهن الورد وكلما كانت في مرطوب فهي أسهل وبالعكس وكذا إن تركبت بالنسبة إلى التضاد وعدمه (وأما الخلطية) وتسمى حمى العفن فهي الأصل في هذا الباب لامكان عود الكل إليها ونشئه منها وحقيقتها أن تتراكم الاخلاط فتسد مجارى الحرارة فتقطع العفونة بقهر الغريزية كما يشاهد في الألبان
(١٢٨)