والحلاوات إذا لامستها المياه، وقد تكون العفونة بسبب فساد الخلط كيفا فيلزج أو يغلظ فيحبس وكيف كان إذا منع النفوذ جاء التعفن ووقع الاحتراق والاشتعال، أما داخل العروق وتسمى الحمى حينئذ الدائمة إما حقيقة وهى التي لا تنفك أصلا ولها أسماء بحسب الاخلاط كما ستعرفه أو مجازا وهى النائبة سميت بذلك من إطلاق اسم الكل على الجزء أو اعتدادا بالأغلب، ثم الدائمة وإن لم تنفك حقيقة فان لها فصولا في الزمان فتزيد وتنحط إما محفوظة الأدوار لبقايا صحة في القوى تحفظ بها النسب أو مختلطة قد استغرق فسادها أجزاء الخلط وحقيقة الدور استيعاب الحرارة جزءا مخصوصا من الخلط بالحرق فإذا صار رمادا تم الدور وابتدأ التعفين في غيره وهكذا حتى تنفذ المواد كذا قرره جالينوس وفيه نظر من أن المتبادر ذلك والعقل حاكم به ومن أن هذا المحترق إن كان يبقى في العروق لزم أن يفسد ما يتولد شيئا فشيئا وتستغرق الحمى مدة الحياة ولم يقع برء إلا بدواء ويخرج ذلك ونحن نرى كثيرا ما يبرءون من غير دواء على طول المدة وإن كانت الطبيعة تخرجه أولا فأولا لزم أن يظهر في الخارج للحس باطراد في كل فرد أو أن يبرأ الشخص قبل أن يجاوز دورا ثانيا والواقع خلافه ثم الدائمة أشد الأنواع معاصاة للتحليل لاحتجابها بأجرام العروق فتعفن حينئذ وتشتعل شيئا فشيئا وقد يقع لما سوى الدم تعفين كلي بخلافه لما في تعفينه من لزوم الموت وكل خلط فله حكم في الزمان والسن يترتب عليه أمور مختلفة كما ستعرفه والضرورة قاضية بأن هذه الأصول لا تخرج عن عدد الاخلاط أو خارج وهذه بالقول المطلق هي الحمى الدائرة والحكم فيه كما مر لا أنها موجبة كلية بل يقع التفارق بجزئيتين إحداهما سالبة والاخرى موجبة في أنواع الجنسين بل في أصنافهما، فقد بان أن ليس كل ما تعفن خارج العروق دوريا كما يفهم من كلامهم بل الأغلب وقد عرفت حقيقة الدور. إذا تقرر هذا فاعلم أن الأدوية للحمى الداخلة أولى لأنها تحل إلى المسالك المعتادة بالذات ونحوه الأطلية والحمام وما يفتح المسام بالخارجة أولى لان المتحلل منها يخرج بالاعراق والبخارات فله كل ما أوجب خروجهما من ذلك ودهن واستحمام لان ذلك يوجب إخراج مالم يبلغ الدواء إليه، ثم العلاج موقوف في الأمراض كلها على معرفة المادة الموجبة للعلة ولكل علة علامات تدل على أصلها كما هو معلوم لكن الحميات قد زادت على سائر الأمراض بكونها معلومة من الاقلاع والاخذ ويعرف هذا ببحث الأزمنة وتختلف باختلاف قبول الخلط للانفعال وباعتبار محله. ولما كان البلغم سهل القبول غير مخصوص بمحل سهل الاجتماع كانت النائبة الصادرة عنه أكثر ما تنتهى إليه ثلاثة أرباع الدورة وإقلاعها ربع كل ذلك لما ذكرنا والسوداء بخلافها فلذلك يكون إقلاعها في ثمانية وأربعين ساعة من اثنين وسبعين ودوامها الباقي خاصة لان البرد عسر الاجتماع واليبس يضاد العفونة وهذه الحمى هي الموسومة عندهم بالربع وهو اصطلاح يخالف الحساب الواقع في البخارين كما علمته، وأما الصفراء فاقلاعها ست وثلاثون وزمن أخذها ما بقى إلى ثمان وأربعين قالوا لقلتها فلا تجتمع ويبسها فلا تتعفن ونظر فيه الفاضل النفيسي في شرح الأسباب قال لان الصفراء وإن كانت يابسة فالبرودة في البلغم أمنع للعفونة لتجميدها الحرارة فتمنع من الغليان ولان حرارته الفعلية تقابل رطوبتها التي هي كذلك ثم اختار بعد هذا القول أن وقوع الحمى الصفراء غبا بين زماني الباردين إنما هو ليبسها خاصة ثم احتج بقول ابن أبي صادق بأن أسرع الأبدان قبولا للتعفن الحارة الرطبة ثم الحارة مطلقا ثم الرطبة كذلك والبلغم وإن كان حارا بالفعل لا يسرع إليه التعفين لأنه لبرده بالقوة لا تبلغ حرارته الفعلية مبلغ الحار فيهما والصفراء بالقياس إلى السوداء أيضا أسرع لحرارتها بالقوة والفعل وفى هذا الكلام نظر لان ما أدعاه مدخول في اختلاف الوضع والحمل لان
(١٢٩)