ومن هنا قال أبقراط: إن الاكل على الهم لاحظ للبدن فيه ولا تأخذ الأعضاء منه إلا كأخذ السارق ما يأخذه فإنه يلقيه بأدنى تخيل، ثم أسباب الهم إنما تصل إلى النفس وصولا حقيقيا لا كوصول العلم خلافا لكثيرين، فان أسباب العلم إما الحواس أو الخبر الصادق أو التواتر كذا قالوه وعندي أن الأخيرين داخلان في الحواس، وأما الهم فقد يصل إلى النفس من العقل كتوصل أمر ظهرت مادته أو مثلها في الخارج دون صورته كخوف الملك سلب ملكه مثلا فان هذا معقول بحيث لا يقال العقل من أسباب العلم أيضا فيلزم التساوي لأنا نقول هو منها لكن لاستحكام المعلوم خاصة وكيف كانت فهي غير محصورة وإما تتفاوت كما مثلناه أولا (العلاج) إذا علم السبب وكان مما يمكن دفعه فعلاجه إزالته وإلا فالحزم التخفيف عن النفس بقدر الطاقة قال المعلم أعظم ما جرب في أدوية الهم الصبر ثم التأسي فإنه مامن مصيبة إلا ولها نظير فليستعمل القياس ومما يعين على ذلك النظر في الحساب والتصاوير والهندسة فان ضاق نطاق الفكر عن ذلك فسماع الأصوات والآلات الحسنة إذ لا علاج لمن استغرق غيرهما لأنه إما مغمور أو ذاهب العقل وكلاهما غنى عن الطب فهذا تلخيص التقطناه من مفرق كلامهم إذ لم نظفر بمن جمع هذا الباب وسنستوفي في العشق ما يكون كالتكملة لهذا إن شاء الله. وقال أبقراط: مما يضعف الهموم إدامة ما يسهل الاخلاط المحترقة ويقطع الأبخرة الفاسدة كالمفرحات ذوات التحذير وشم الارايبج الطيبة خصوصا المسك والعنبر والزعفران [هندسة] ويقال بالزاي المعجمة بدل السين علم بمقادير الأشياء كيفا، وموضوعه النقطة وما يكون منها ومباديه الاشكال ولو بالفرض ومسائله تقسيم الزوايا والمخروطات والقسي والسهام والأعمدة والدوائر إلى غير ذلك وغايته إبزاز ما في الذهن وما بالقوة في الغريزية إلى الخارج بالفعل من المذكورات، وأول من اخترعه إقليدس الصوري وقيل إن هرمس الأكبر أصل الاشكال المستقيمة وأن إقليدس قاس الباقي فيكون على هذا مكملا والهندسة تشحذ القوة وتصقل مرآة الفكر وتزيد في العقل وهى بيت بابه الارتماطيقي كما أن الهيئة بيت مدخله الهندسة، قيل لما جلس أفلاطون لتعليم الحكمة نقش على بابه لا يدخل دارنا من لم يتقن علم إقليدس ثم لم تزل تنمو كغيرها حتى كملت على يد رسمانيطس الأنطاكي على ما هي الآن محصورة في تحرير ابن حجاج وإشارات الواسطي وإشكال التأسيس وتلخيص العلامة الطوسي فهذه أصح الكتب، وقد حررناها بحمد الله تعالى تحريرا كشف عن المشكلات وها أنا أورد منها هنا ما يقف به اللوذعي الفطن على غوامض هذه الصناعة مشيرا إلى وجه الحاجة بالطب إلى هذا العلم وأنه من ضرورياته فأقول وبالله التوفيق: قد قسم الناس هذا العلم بحسب مداخله في الصنائع وميل كل إلى ما ناسب خاله إلى أقسام فأخذ منه أهل الحساب خصوصا الجبريون الجذر والكعب والمربعات وأهل الهيئة الدوائر والقسي والميقات الجيوب والسهام والمساحة المثلثات فما فوقها وضرب ما يحصل به المجهول وأهل القرسطيون يعنى القبان نسب الخطوط وقسمها على وجه يصير به المجهول من المقادير الموزونة معلوما وأهل الحيل ما به يتحرك المعجوز عنه بالسهولة ويبلغ الجسم الثقيل الصعود عكس طبعه كجر الأثقال ورفع المياه وأهل إخراج الظلال أحوال الرخامات من منحرف وبسيط إلى غير ذلك والمهندس المطلق هو الجامع لهذه الأنواع ونسبة أحد المذكورين إليه كنسبة الكحال والجرائحي مثلا إلى الطبيب إذا عرفت هذا فاعلم أن الحاجة بالطبيب إلى هذا العلم ضرورية خصوصا في صنعة اليد لان البط والكي والجراح متى وقعت مستديرة خبثت وعسر برؤها وربما فسدت مطلقا إذا انحرفت المادة في الاغوار وإن وقعت ذات زوايا
(١٠٤)