أخرج أنه عليه الصلاة والسلام قال (إن الحمى كير من كير جهنم فأبردوها بالماء البارد) ويمكن أن يكون المراد في هذه الرواية الحارة لترشيحه بالكير فإنه أقوى من الفيح فتأمله ويؤيد هذا ما أخرجه البزار والحاكم عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الحمى قطعة من النار فأطفئوها عنكم بالماء البارد) وفى مثل هذا تظهر أسرار الفصاحة النبوية وتتفاوت في إدراكها العقول إذ لو لم يكن المراد ما فهمناه لم يذكر البارد بعد الكير والقطعة لكونهما من نفس النار ويدع الماء على إطلاقه في الفيح وهنا نكت تظهر بالتأمل ليس هذا محلها وما ورد من أنه عليه الصلاة والسلام قال (أيما أحد منكم أخذه الورد فليغتسل في نهر) فالمراد هنا بالورد النوبة المعينة لا الحمى المعروفة بذلك قطعا وقد ورد تقدير الماء بثلاثة أيام وكونه قبل طلوع الشمس وفى السحر وأنه إن لم يبرأ بثلاث فبخمس فإن لم يبرأ بخمس فبسبع فإن لم يبرأ بسبع فبتسع فإنه لا يجاوز التسع، وفى رواية (يستقى الماء بدلو جديد قد جعل فيه سبع تمرات من عجوة وقطرات من زيت ويبيته ثم يصبه عليه من السحر) وفى أخرى قول (اذهبي يا أم ملدم) هذا ملخص ما صح أو قارب. إذا تقرر هذا فاعلم أن اللاحق لهذا البدن من حيث طبيعته أمور تسمى في هذه الصناعة بالأمور الطبيعية وهى إما متعلقة بمجرد المادة إما البعيدة وهى العناصر أو القريبة بالنسبة إلى تكوين الثلاثة لا بشرط شئ وهى المزاج، أو تتعلق بمطلق الصورة وهى الاخلاط والأعضاء والأرواح والقوى أو بالغاية وهى الافعال أو بالعوارض غير المفارقة أو المفارقة البطيئة وهى الأسنان والألوان والسحن والذكورة والأنوثة فهذه جملة البنية وسيأتى البحث في استقصاء كل بمفرده ولا شك أن مالم يكن جزءا ذاتيا للشئ لم تلحقه العوارض الخاصة بذلك الشئ والعناصر والمزاج ليسا ذاتيين للانسان وكذا القوى وما بعدها والحمى عرض خاص بنفس تمام ماهية البنية فتلخص بصدق الانتاج الصحيح أنها إما متعلقة بمجرد الاخلاط سواء تعفنت أم لا وتسمى حمى الخلط ويقال حمى العفن أو بالأعضاء وتسمى حمى الدق لأنها تدق العظم بالتجفيف أو لأنها دقيقة لا تدرك إلا بعد الاجتهاد أو يخص تعلقها الروح فقط ويقال لهذه حمى الروح لتعلقها بها وتسمى حمى يوم لأنها من حيث هي هي لا تجاوز يوما معتدلا وهو اثنا عشر ساعة فقد بان لك انحصارها عقلا في الثلاثة وهى أجناسها الأولية العالية، ثم ينقسم كل منها إلى ما يكون سببه مرضا كالقرحة وإلى ما يكون عرضا كالعفونة وكل من الستة إما حاد أولا فهذه الاثنا عشر هي المرتبة الثانية وكل إما منفك أو مطبق وكل إما داخل أو خارج وكل إما حافظ الدور أو غير حافظ فهذه الستة والتسعون قسما هي أنواع الحمى النوعية وستأتى في الكلام بوجه نستقصى أحكامها إن شاء الله تعالى ثم لكل أسباب وعلامات فحمى الروح تكون أسبابها إما بدنية كتناول حار بالفعل والقوة وحركة عنيفة أو نفسية كغضب وشمل حمى الروح الطبيعية وتكون عن ضعف الكبد والحيوانية عن القلب والنفسية عن الدماغ وأخفها الأولى إجماعا، ثم اختلفوا فقال المعلم وتبعه الفاضل أبقراط وأتباع فرفوريوس بأن الحيوانية أشد وأعظم وقال جالينوس وأتباعه والشيخ بأن النفسية أقوى لأنها أحر وألطف فهي أقبل للانفعال والأصح عندي الأول لان الروح الحيواني هو القابل للتغير لقربه من الدم المنفعل بالفاسدات بخلاف النفسية فإنها قوة لا محالة ثم الأرواح على ما قرره الشيخ بمنزلة هواء الحمام وما في البدن من الرطوبات كمائه والأعضاء كحيطانه ولا شك أن أول قابل للتسخن الهواء ومنه تسرى الحرارة إلى الماء فإذا سخنت الحيطان فقد اشتد الحر جدا فلذلك كانت حمى الأعضاء أنكى وأشد وحمى الأرواح أسهل لأنها تكون عن
(١٢٣)