التصرف في الغذاء وذلك مستلزم لفساد كل البدن ولا كذلك الدماغ لكن للآخرين أن يقولوا الدماغ محل للقوى وأعصاب الحس أصالة والحركة عرضا فيلزم من فسادها فساد البدن ولا كذلك الكبد، وبالجملة فهذا ما في المسألة ولم يتلخص لنا إلى الآن ترجيح ولم نر للشيخ شيئا في ذلك. إا؟
عرفت ذلك فيرد عليك في رسم الخلط أن أقسامه ثمانية الأربعة المعروفة وأربعة سماها في القانون الرطوبات الثانية وهى مبثوثة في الأعضاء كانبثاث الندى والطل لفوائد تعلمها هناك فإذا كانت الدق عبارة عن تشبث الحرارة المشتعلة بما في الأعضاء وليس فيها إلا المذكورات فإما أن تتعلق بالأربعة دفعة أو تدريجا من واحدة إلى أخرى لا سبيل إلى الأول وإلا اتحدت الأربعة محلا ورتبة وانتفت فائدة التعداد والتوالي باطلة بالضرورة فلا جرم كانت هذه الحمى أربعة بحسب ذلك: الأولى أن تتشبث بالرطوبة التي في العروق لأنها قريبة من الخلط فهي خسيسة بالنسبة إلى الثلاث الاخر وشأن الطبيعة أن تبقى بالأدون وتسمى الحمى حينئذ بالدق المطلق. والثانية أن تتشبث بما في العظام من الرطوبة التي تسمى بالعضوية وتسمى حينئذ هذه الحمى بالذبول لجفاف العظام واندقاقها حين يحترق ما فيها وينقطع عنها الواصل لعجز القوى وسقوط الشهوة وقصور ما يؤخذ من الغذاء حينئذ عن الايفاء بما يتحلل بالطبع وبالحمى وبهذا يندفع ما قيل من أن الدق لا يمكن أن تفنى الرطوبات أصلا فان الأعضاء تجذب بالتسلسل إلى المعدة. والثالثة أن تتعلق بالمنوية وهى رطوبة مصحوبة مع الأعضاء من لدن الخلقة من المنى وجمهور الأطباء على انحصار الدق في هذه الثلاثة وتسمية الأخيرة دق التفتت والصحيح وفاقا لقوم تسميتها بالمرسلة وإن دق التفتت هي الرابعة وهى تعلق الحمى برطوبة تسمى العنصرية كما سيأتي وهى التي بها تماسك جوهر العظام فان قيل هذه تبقى بعد الموت زمنا طويلا وعليه ينتفى دق التفتت لأنا نقول ليس المراد التفتت بالفعل لان بقاء الروح مانع من ذلك بل المراد المقاربة بالقوة وأسبابها نحو التعب والهم والسهر وكثرة أخذ المجففات والجماع خصوصا على الخوى ومن أسبابها طول الحميات المحرقة والأمراض ومصابرة العطش فيها والخطأ في غذاء أو زمنه أو كميته وقد يضطر الطبيب إلى إعطاء ما يوجبها كالخمر ودواء المسك إذا تواتر الغشى فليزن ذلك وقد تكون عن ورم مسدد لحبسه الحرارة وعن كثرة أخذ حار يابس خصوصا لذوي اليبوسة ولبس نحو الصوف والشعر من غير حائل أو في الصيف وعن صناعة حارة كحدادة وكثرة فصد وقد تتركب مع غيرها لكن أعسر المركبة منها ما كان من نوع يحتاج في علاجه إلى الاسهال القوى كالخمس وما بعدها (العلامات) انطباق الحرارة وخفاؤها في بادئ اللمس لكونها في الاغوار وظهورها للامس إذا طال مكثه لاحتباس الأبخرة الصاعدة وزيادة الحر في موضع الشرايين لان الحرارة متعلقة بمبدئها كما عرفت وأن تشتد عقب أخذ الغذاء قيل لوروده على الحرارة فيهيجها كالماء الوارد على أحجار النورة ورده شارح الأسباب بأنه يلزم عليه اشتدادها مع الشرب أكثر مع أن الواقع خلافه انتهى وفيه نظر لان الغذاء يصل للعروق الكامنة فيها الحرارة ولا كذلك الماء لان جوهره لا يتفاوت ولا يتعدى مسالكه المخصوصة ولان فيه قوة قاهرة للحر بالنسبة إلى الظهور لوصوله قبل أن يتغير ولا كذلك الغذاء ألا ترى أن الزقى من البطيخ يبلغ من التبريد ما لا يبلغه غيره مع تساويهما في الطبع وما ذاك إلا لنفوذه قبل التسخن بخلاف الآخر وعدم توجه القوة إلى الماء لبساطته وعدم تغذيته كما هو الأصح بخلاف الغذاء وقيل إن سبب اشتدادها بعد الغذاء كونه واقعا نصف النهار وهو وقت اشتداد الحرارة ورده العلامة باشتدادها بعده وإن أخذ ليلا وفى الكامل أن السبب فيه كون الغذاء مضادا للحرارة فتقصد المدافعة فتظهر القوة وقال ابن أبي صادق