الكلام مفروض في الاختلاط من حيث بقاؤها على أصولها وأزمنة الحمى مقدرة بعد صيرورة الخلط مرضيا والتعفين تابع لمطلق الرطوبة وزيادة الكمية والتخلخل واشتعال الحرارة المفسدة فلا يصح ما قاسه وما نقل عن ابن أبي صادق فأعم مما ذكره فبينهما اختلاف في النقائض الواقعة بين الأعم والأخص فتأمله. وحاصل الامر أن اختلاف الأدوار منحصر في ثلاث: الاجتماع وله بحسب الكم حكم فان المادة كلما كثرت سهل فتقرب النوبة وكذا بحسب الكيف فان اجتماع الرقيق الحار أسهل من ضده لكن صرحوا بأن الكثرة بالنسبة إلى الرقة والحرارة أسهل اجتماعا فلذلك قربت نوب البلغم وفيه نظر من كون الكم الكثير مع برده منفعلا أكثر من الحار ومن مطابقة الامر لما ذكروه، ويمكن الجواب عنه بأن البلغم في حكم الحار الرطب وفى التعفن يختلف باختلاف الكيفيات فإنه في الحار والرطب والمركب منهما أشد وأسرع والتحليل فإنه بطئ في اللزج والغليظ واليابس ومن هنا تمتد حمى البلغم لعسر استفراغها ولا دور لدمويه لان النوب تكون كما علمت عما يتعفن خارج العروق فقط والدم لا يتعفن هناك إلا في الأورام الكثيرة وحينئذ تكون الحمى مطبقة كالتي داخل العروق من الكلى فقد تلخص أن كل ما تعفن داخل العروق وأحدث حمى كانت مطبقة وكذا الدموية خارجها مع الأورام. (وأسباب الحميات على الاطلاق) فساد الهواء وأكل الفواكه ولا سيما العنب والاستعجال بالشرب عليها وخلطها مع الادهان قبل هضم السابق منهما قالوا وأخذ اللبن والخل في يوم واحد والامتلاء والسدد والمالحات وما لطف وأسرع فساده، ثم من الحميات ما يبتدئ بالنافض والبرد في الحس الظاهر ومنها ما ليس كذلك بل يفاجئ حره والعلة في ذلك ليست راجعة إلى الخلط بل إلى المكان لان ما تعفن من الخلط وحق خروجه في النوبة وأخذت الطبيعة في دفعه على العضو الذي ألفه فإن كان في طريقه أعضاء حساسة تأذت بلذعه أو برده وانتفضت لدفعه وانتفض معها البدن باتصال العضل المحركة ودام ذلك بقدر الأعضاء حركة وقوة وكثرة في الحس والكم بالعكس وقد يكثر النافض بحسب كثرة الخلط أيضا ولذلك يعظم نافض البلغمية ويكون في الصفراء ضعيفا ولذلك يسمى فيها قشعريرة هكذا قرره الأكثر وعكس قوم فقالوا إن نافض الصفراء أقوى لحدتها وجمع الفاضل الكازروني بين القولين بأن النافض في الصفراء أحد وأقصر زمنا وفى البلغم بالعكس فتكون الصعوبة في الصفراء بحسب الكيف وفى البلغم بحسب الكم انتهى وهو جيد وأما أنه يبتدئ بالقوة أولا في الصفراء ويتدرج في الضعف للطف المادة وبالعكس في الباردين لا سيما السوداء لكثرة التحلل آخرا حين يلطف فأجماعي هذا إجماع ما في أصول الحميات فلنأخذ في تفصيلها [الغب] هي إما خاصة وهى التي تنوب يوما وتذهب آخر كما عرفت أو كثيرة المادة سريعة التحلل وهى التي تأتى كل يوم أو لازمة وهى التي لا تنفصل والأغبياء من أهل هذه الصناعة يسمون الثانية مركبة من غبين وليس كذلك وبها تعرف أن الحكم على الحمى التي تأتى كل يوم بأنها بلغمية كليا خطأ وكذا الحكم بمطلق الزمان الدوري على أنواع الحميات وإنما العمدة على العلامات الخلطية مثل العطش والالنهاب والجفاف والسهر وسرعة النبض والهذيان وكراهة الضوء وكثرة الدموع والحركة وعفن البول والصباغة إلا أن يكون رعاف أو صداع لصعود الخلط في مطلق الغب ومن ثم قالوا إذا لم يكن البول في الصفراء مصبوغا ولم يكن هناك رعاف فلا بد من البرسام وهذه العلامات تكون أشد في اللازمة خصوصا في الافراد وتنقص في التي كل يوم وأخف ما تكون في النائبة نعم في الزمان دلالة على الغب في كونها تنقضى في أربع ساعات وتمتد إلى اثنتي عشرة فان جاوزتها فقد تركبت قطعا (ومن علاماتها) كثرة
(١٣٠)