* (الفصل الثالث) * في موضع هذه الصناعة ومباديها وما يجب أن يعرفه حتى يتأهل لتعاطيها.
لا شبهة في أن موضوعها أبدان الحيوانات من جهة ما تصح وتمرض ومباديها الأمور الطبيعية والأسباب السابقة في بدن الانسان إلا ما سنحققه من التفاوت لأنك قد عرفت سابقا أن كل مركب من أفراد المواليد الثلاثة كائن عن هذه العناصر وكذا الاخلاط لكل حساس والأعضاء وإنما الخلاف في أجرامها كثافة ولطفا فهنا الأسباب محض الكثافة لعدم العلم بأجزاء المتناولات على الوجه الأتم وقيام أبدانها بما يلطف منها، وأما القوى والأرواح فبحالها إلا في النفسية فليست هنا مطلقا على الوجه كما أنه لا حيوانية في النبات كما ستعرفه في الفلاحة وقال ابن وحشية في كتاب القمر للحيوان قوة نفسية وهو خطأ أوجبه الالتباس وعدم الفرق بين المعيشى والنطقي وعليها تتفرع الافعال تركيبا في الأصح إذ لا وجود لفعل مفرد هنا خلافا لابن وحشية، وأما الأسباب فالضروري منها هنا المأكول والمشروب والهواء خاصة وأما النوم واليقظة فليسا بضروريين لعامة الحيوان فان أكثر حيوان البحر لا ينام بل كله ولكن يستقر قال في الكامل وكذا كثير من طيور الهند والحبشة وكل طير لم يسمن فهو دائم اليقظة وأما الاحتباس والاستفراغ فلا يكاد الامر يحتاج إليهما في غير ذوات الحافر والظلف في أوقات ما، وأما الحركة والسكون البدنيان فكالهواء على الصحيح ولا وجود للنفسية ويلزم ابن وحشية القول بها، وأما الصحة والمرض فيعرفان بالافعال والأكل والشرب وصقالة الجلد وحال ما يثبت عليه قلة ورونقا وثبوتا ونحوها وللسحنة هنا دخل عظيم وكذا حركة المشي وجس عرقى اللبة والاكتاد وما يلي الحرقفة ومتى شك في تشخيص آلعلة نظر إلى ما قلنا ومن أجل العلامات في ذوات الأظلاف البراز وكذا ذوات الخف فان سلح الغنم والجمل ولم يتقدم أكل نبات أخضر فمغشوشة البطون قطعا فإن كان الخارج كريه الرائحة فعن حرارة أو كان إلى الخضرة فعن ضعف الكبد أو البياض فالامعاء أو معه ريح فعن مغلة أو بعر البقر ولم يتقدمه أكل نحو البلوط فكذلك وقد يستدل من اللبن فإن كان أحمر أو ممزوجا بالدم فعن فرط حرارة وفساد في الكلى أو أصفر فعن استيلاء فساد في الكبد والدماغ أو لم يرب فلشدة قوة الجاذبة وضعف الهاضمة واليبس أو قلت مائيته وسمنيته فلفرط البرد هذا بعد اعتبار الغذاء إذ قد تكون لا تعتلف إلا التبن وحده فلا يكون قلة السمن حينئذ دليل البرد وأما ذوات الحوافر وخصوصا الخيل فلها القارورة وسيأتى بسطها، وأما الطيور فستأتي في البزدرة وأقرب الحيوان إلى مزاج الانسان على ما قروروه الخيل لان الغالب في مزاجها الحرارة والرطوبة ومزاج الهواء ومن ثم خصت بمزيد الجري وسماها بعض الحكماء بنات الريح قالوا ثم القرد فالغنم فالكلب فالخنزير ولذلك عقدت هذه الصناعة للخيل بالذات فينبغي أن تجعل قياسا نسبيا.
(الفصل الرابع) فيما يختار منها وذكر عمرها وما يستدل به على سنها وغير ذلك يختار منها الكريع وهو جيد القوائم محجل الثلاثة مطلق اليد اليمنى دقيق رأس الاذن فان ميلت فبلغت عينه فهو أصيل جدا منتخب والسريع في مشيه بحيث لا يحرك الراكب مع السلامة من القطف والقطوف في الخيل والحمير والبغال مالا تصل رجله إلى مكان يده حين يرفعها وهو عيب قوى والطليع وهو الذي يرفع رأسه في اللجام بحيث يحاذى أنف الراكب والقليع الطويل الواسع الظهر المخصوص العريض الكفل ويجتنب منها الطموح وهو الذي لا تستقيم نظرته ويدور بعينيه كثيرا والجموح وهو الذي