إذا عرفت هذا فتنبه لنكتة أخرى وهى أن الأعمال ليست آفاقية بل فيها ما يختص ببقعة وزمان كما في باقي المولدات لتعلقه بحركات الكواكب وقد عرفت في جغرافيا أنها مخصوصة وانظر إلى أمراض مخصوصة كيف تخص مكانا كالعرق المديني فإنه يخص الحجاز والجذام لا يوجد به وكون اللبخ سما يعرف بفارس ودواء بمصر والياقوت لا يوجد إلا بسرنديب والنخل لا يكون في الروم والخيار شنبر بالأندلس وهذه كلها أدلة على اختصاص بعض الأزمنة والأمكنة دون بعضها بأشياء.
ثم اعلم أنه على اختلاف أفراد أنواع الثلاثة ليس فيها أشرف من الانسان لاجتماعها فيه طبعا وصفة وغيرهما واجتماع صورة العالم العلوي أيضا فيه ومع ذلك ففي أفراده أيضا تفاوت لا يحد ولكن الخطاب غير متوجه إلا إلى الكمل منهم وهم أهل الوحي والتقديس إما بالذات بإرادة الحكيم المطلق ذلك لهم وهم الأنبياء ومن خصته عنايتهم وأشرقت عليه أنوارهم واستمر في متابعتهم لم يحل عما رسموه ولم تزل له قدم عن مستقيم خط وسموه، أو بالعرض كالاجتهاد وسبق التوفيق وسعادة الطوالع وهم المتفلسفة الإلهيون ولا شك في رجوع الكل إلى اقتضاء المبدع الأول ثم هؤلاء منهم من وفق بصفاء الروحانيات واتفاق سعادة المولد للتروحن والاشراق وهؤلاء تجيبهم الأعمال بسرعة للمناسبة ومنهم من لم تتوفر سهامه في ذلك فيحتاج إلى التحيل للحوق بمن ذكر فهذه أصول القواعد فلنشرع بعد الشروط في الكيفيات.
* (فصل في الأعمال وتدريجها إلى الكمال وتتميم الطباع حتى تصير قابلة لما تريد) * اعلم أن تأهل الانسان لمشاكلة الأرواح سر تواصوا به من لدن هرمس فقد قال حين أردت استخراج علل الطبيعة وهو الكتاب المعروف بسر الخليقة من موضعه الذي أودع فيه من الطوفان وجدته سربا مملوءا بالظلمة والرياح لا يسلك بنور فاحترت حتى أرشدني شخص في المنام إلى أن أجعل الثور داخل الزجاج الشفاف وأخبرني بموضع الكتاب وطلسم الرياح فسألته من هو؟ قال أنا طباعك التام إذا ناديتني أجبت وهو أن تدخل حين يحل القمر رأس الحمل بيتا نظيفا فتجعل في زاويته خوانا مرفوعا وفى وسطه جام زجاج فيه حلو من دهن لوز وجوز وعسل وسمن وسكر وتضع إلى جانبه الشرقي قدحا مملوءا من شراب ثم في غربية فشماله فجنوبه كذلك ثم بإزاء القدح الشرقي قدحا مثله مملوءا دهن لوز ثم الغربي دهن جوز فالشمالي سمن فالجنوبي شيرج ثم قم قائما قبل الشرق وقد أسرجت شمعة وسط الخوان فتبخر في مجمرة بمصطكي وكندر وفى أخرى بعومطرا وقل هذه الكلمات مرارا غاغيس بعد يسواد وعداس نوغاديس أدعوكم أيها الأرواح القوية الروحانية العالية التي هي حكمة الحكماء وفطنة الفطناء وعلم العلماء فأجيبوني واحضروني وقربوني لتدبيركم وسددوني بحكمتكم وأيدوني بقوتكم وفهموني ما لا أفهم وعلموني ما لا أعلم وبصروني ما لا أبصر وادفعوا عنى الآفات الملبسة من الجهل والنسيان والهوى حتى تلحقوني بمراتب الحكماء الأولين الذين سكنت قلوبهم الحكمة والفطنة واليقظة والتمييز والفهم وأسكنوا قلبي ولا تفارقوني يفعل ذلك ما أمكن حتى يمتزج بالأرواح فتسهل عليه الأعمال وقال إنه باب كل عمل وإنه السر الذي تواصوا على كتمانه وأقل ما يعمل مرتين في السنة. إذا عرفت هذا فمبدأ الأعمال أن تعرف الكوكب المناسب لعملك فتتحلى بحليته من اللون واللبس ظاهرا والمآكل باطنا وتحضر ما ذكر له من نحو المداد والدخن ثم أنظره حتى يحاذى من فلك البروج ما يناسب بحيث لا يكون في طريقه إليك قاطع بعكسه فاجعل الطالع دليل الطالب والسابع المطلوب وصور الصورتين بما يناسب كما إذا كان في المحبة مثلا فاجعل الطالب من المغناطيس معجونا بما يجمعه كالأشق والاخرى من ثوم وشمع وهيئتهما في اللبس وغيره كأصحابهما