ويطيع عليا بن أبي طالب المؤمن الذي لا يملك شروى نقير، ومن يعصي معاوية بن أبي سفيان والي الشام المتصرف بخيراتها تصرف المالك بملكه، ويطيع عمار بن ياسر، وأبا ذر الغفاري، أو المقداد بن عمرو، الفقراء المغضوب عليهم من دولة الخلافة. صحيح أن معاوية بن أبي سفيان مثلا طليق وابن طليق، وأحد أبرز قادة معسكر الشرك الذي قاوم وحارب رسول الله وبكل قواه حتى أحيط به فاضطر مكرها للاستسلام والإسلام، وصحيح أيضا أن معاوية لا يعرف شيئا من الإسلام، وصحيح أيضا بأن عمار وأبا ذر والمقداد من أعمدة الإسلام ومن رواده المؤسسين وبناته ومن علمائه، لكن هذا تاريخ، ومثاليات، بعيدة عن إمكانية التطبيق فالواقع المفروض والوحيد الذي يمكن تطبيقه هو أن معاوية هو الأمير الذي يجب أن يطاع، والمعلم الديني، وأن عمار والمقداد وأبا ذر وأمثالهم مأمورين ومتعلمين، ويجب أن يرهفوا أسماعهم لمعاوية العالم الديني، وأن يتعودوا على طاعة معاوية الأمير!! وإن لم يفعلوا ذلك فهم عصاة أو مشاغبون يهددون الأمن ووحدة الأمة!! والقانون الإسلامي يطبق على الجميع لا فرق بين عربي وعجمي، ولا سابق بالإيمان ولا طليق، تلك هي الآلية القانونية التي أوجدتها دولة الخلافة!!!
وقد يخطر ببال عمار مثلا، وكما حدث بالفعل حسب رواية ابن الأثير في تاريخه أن يقدم احتجاجا خطيا إلى الخليفة الرمز يشكو له من أمور لا يمكن تبريرها، حتى وفق آلية الدولة، عندئذ يأمر الخليفة بعض أعوانه الطلقاء فيضربوا عمار بن ياسر، حتى يكسروا أضلاعه، ويرموه أخوار أسوار قصر الخليفة، لأنه تجرأ على ذكر مثل تلك الأمور، وتجرأ على الشكوى، وقد حدث هذا بالفعل كما روى ابن الأثير وغيره، وقد يخطر ببال أبي ذر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحذر من مظاهر البذخ وسوء العاقبة، فيفسر عمل أبي ذر هذا بأنه (إفساد في الأرض) وإفساد للناس، فقد كتب معاوية إلى الخليفة، بأن أبا ذر في طريقه لإفساد الشام وأهلها، عندئذ يأمر الخليفة بنفيه، وينفى من مكان إلى مكان بالفعل خوفا على أمة محمد من أن يفسدها صاحبه أبو ذر، ويعيش الرجل مطاردا.