رغبة أو رهبة، وقد يتمادى الظالم فيسمي ظلمه عدلا، وقسوته رحمة، ويقلب كل الحقائق رأسا على عقب، أو يحرفها فيمسخها، حتى إذا ما دنت منية الظالم عهد بحكمه وبخلافته لابنه أو أخيه أو قريبه، أو صديقه، وتستمر دورة التغلب والعهد حتى يظهر من عالم الغيب متغلب جديد، فتبدأ عهود ظلم جديدة، ودورة جديدة من دورات العهد والتعاقب على الحكم. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتولى فيها الظالمون الحكم ضاربين عرض الحائط بالشرعية الإلهية.
ويبدو أن هذه الطريقة ستنتشر على مستوى الكرة الأرضية لها، بحيث يستولي الظالمون في كل إقليم من أقاليم الأرض، وفي كل مجتمع من المجتمعات البشرية على السلطة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ويفرضون على مجتمعاتهم فقه هواهم، حيث سيصبح العالم كله تحت حكم الظالمين، وبحيث يسوس فقههم الفاسد كافة المجتمعات البشرية. ونتيجة لحكم الظالمين ولسيادة فقههم تمتلئ الأرض بالظلم والجور والعدوان، وتكتوي البشرية بهذا الجحيم الشامل، هنا فقط يظهر الإمام المهدي المنتظر، ليملأ الأرض قسطا وعدلا بالحكم الإلهي، بعد أن ملأها الظالمون بالظلم والجور الناتج عن حكمهم وفقههم، فامتلاء الأرض بالظلم والجور والعدوان، وشمول حكم الظالمين للعالم كله، وسيادة فقههم علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر، لأنه المؤهل الوحيد لقطع دابر الفتن، وقصم ظهور الظالمين، ورفع فقههم من الأرض، وهو المؤهل الوحيد ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا. وهذا ما عناه الرسول بسيل الأحاديث التي عالجت هذه الناحية. وهذا أيضا ما عناه الإمام الباقر بقوله: (لا يخرج المهدي حتى ترقى الظلمة). (راجع الحديث رقم 801 ج 3 من المعجم، وراجع الأحاديث النبوية أرقام 51 و 62 و 565 من أحاديث المعجم).
3 - الحرب والطاعون: لا يكتفي الظالم بإذلال رعيته، وإرغامها على أن تفض مشكلاتها وفق قواعد فقه الهوى الذي اخترعه، ولا يكتفي بأن يملأ الإقليم الذي يحكمه بالظلم والجور والعدوان، بل يطمع بأن يوسع رقعة ملكه على حساب ممالك الظالمين المحيطة به، وتعميم فقهه، هذه طبيعة ثابتة بظلمة الأرض، ونتيجة لهذه المطامع تنشأ وتنشب الحروب بين الظالمين وكلها حروب عدوانية لا.