منفيا، ويموت منفيا وحيدا!!! وقد تتولى دولة الخلافة قتل من لا تقوى على تدجينهم من المؤمنين السابقين، وتسند تهمة القتل إلى الجن، كما فعلت مع سعد بن عبادة سيد الخزرج، فالرسالة الرسمية المصححة والمطلوب من المسلمين المؤمنين الصادقين أن يتناسوا بالكامل كل تاريخهم وعلومهم وعلاقتهم بالنبي، وأن يغضوا أبصارهم تماما عما يجري، وأن يشهدوا بصمت عملية نقض عرى الإسلام كلها، وأن يراقبوا عملية التغيير (الإسلامية الكبرى) فإن فعلوا ذلك نجوا، ولن يتعرض لهم أحد، ويمكن لكل واحد منهم أن يأخذ عطاءه الشهري، ولن يغضب الخليفة منه، وليس من المستبعد أن يرضى الخليفة وأعوانه عليه!!!
هذه الآلية العجيبة عزلت الفئة المؤمنة عمليا، وحيدتها تحييدا تاما عن التأثير على حركة الأحداث التي أدت لنقض عرى الإسلام كلها، وبالتالي فقد أصبح الإسلام والإيمان وكافة مضامينهما الحقيقية مفاهيم غريبة تماما، لا تنتمي لحركة الأحداث، ولا تؤثر على الأحداث، وهي عرضة للتبديل والتحوير والتغيير، لأن هذه المضامين وفي أحسن الظروف مجرد اجتهادات، لا تقدم ولا تؤخر، ولا تقيد الخليفة، فرسول الله مثلا كان يوزع العطاء بين الناس بالسوية، لا يفرق بين عربي وعجمي وأسود وأبيض، لأن حاجات الناس الأساسية متشابهة ومضى الخليفة الأول على هذه السنة، ولما جاء الخليفة الثاني اكتشف بأنه ليس من العدل أن يأخذ العربي كالعجمي، وأن يأخذ القرشي كغيره من العرب، لذلك اجتهد فأوجد موازين خاصة ومراتب للناس، وألغى فكرة التسوية بالعطاء، وأعطى الناس حسب مراتبهم عنده، حتى أنه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول، فلعائشة أم المؤمنين، ولحفصة ابنته وأم المؤمنين درجة أعظم من أم سلمة مثلا، فكانت عائشة مثلا تأخذ اثني عشر ألفا، وكان المئات من الناس لا يحصلون على معشار هذا المبلغ، ونتيجة هذا الاجتهاد نشأت الطبقية فوجدت فئة يملك كل واحد من أفرادها الملايين، بل المليارات، ووجدت الملايين من الناس التي لا تدرك رغيف العيش إلا بشق الأنفس!! واكتشف الخليفة بعد بضع سنين خطورة الآثار المدمرة لاجتهاده، فصرح بأنه إن عاش العام المقبل سيرجع إلى سنة صاحبه ويوزع المال بالسوية، كما كان يفعل الرسول وأبو بكر!!!. ولا يخفى على عاقل.