وشائعاتها وقناعاتها إلى قوانين ملزمة للرعية بالقوة الجبرية، فمنعت رواية وكتابة الحديث النبوي، وأحرقت المكتوب منه، وصار من المعروف عند العامة والخاصة أن عقوبة من يروي أحاديث النبي المتعلقة بالأمور الأساسية عقوبته قطع البلعوم على حد تعبير أبي هريرة، أو الاستحياء والقتل، كما عبر عنهما أبي بن كعب رضي الله عنه.
وهكذا واعتبارا من اللحظة التي قعد فيها رسول الله على فراش المرض تم استبعاده بالكامل، وجمدت كافة أوامره وتوجيهاته، ولم ينفذ منها شئ، وإن نفذت فقد جاء التنفيذ متأخرا وبالقدر الذي يخدم توجيهات زعامة بطون قريش، وخير مثال على ذلك جيش أسامة، أو بعث أسامة، فالملك ملك النبوة، وزعيم البطون رسميا هو خليفة النبي، والمتصرف بالملك الذي بناه النبي، والأمة هي أمة النبي. ومع هذا فلا يجوز لأي فرد من أفراد الأمة أن يروي أو يكتب حديثا عن النبي!!!
لأن رواية وكتابة أحاديث النبي تسبب الخلاف والاختلاف بين الناس، كما ذكر ذلك الخليفة الأول في أول تصريح له حسب رواية الذهبي في تذكرة الحفاظ وبنفس التصريح أمر الخليفة رعاياه قائلا: (فمن سألكم عن شئ فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله)!!! فعلى العموم، الرسول شخصيا مستبعد (كما في حالة مرضه)، وأحاديثه التي تضمنت توجيهاته مستبعدة من التأثير على الحركة الكلية للمجتمع، إلا إذا كانت هذه الأحاديث تخدم الملك، وتوجهاته الجديدة والقائمين عليه، فعندئذ تعمم هذه الأحاديث وتعامل بقداسة، وتروى وتبرز كأدلة قاطعة على شرعية نظام البطون!! يمكن لمن يشاء أن يروي ما يشاء من أشعار الجاهلية، وخرافات الأقدميين ونجاسات الشرك، ويمكن لفئة أن تقص القصص وأساطير بني إسرائيل في مسجد الرسول نفسه، فلا خطر من ذلك على ألفة الأمة ووحدتها وانقيادها لزعامة البطون. ولكن لا يمكن حتى لأبي بن كعب أن يروي حديثا عن النبي يمس واقع المجتمع أو مستقبله، لأن مثل هذا الحديث يسبب الخلاف، والاختلاف على حد تعبير الخليفة الأول وبهذه الحالة وأمثالها فالقرآن وحده يكفي!!!.