بأن التسوية بالعطاء هي حكم شرعي صرح به النبي، وطبقه خلال حياته المباركة، ومن الطبيعي أن هذا الحكم أمر إلهي، لأن الرسول يتبع ويطبق ما يوحى إليه من ربه!! ومع هذا يتصرف الخليفة بهذا الحكم تصرف المجتهد الخبير الذي يتصور أن اجتهاده يمكن أن يكون أقرب للعدل، مما أمر الله به وطبقه رسوله. ويموت الخليفة العادل والناس على اجتهاده، وجاء اللاحقون فجعلوا اجتهاد الخليفة سنة نافذة، غير قابلة للتغيير!! لماذا! بحجة أنها قد جرت أمام الصحابة فلم ينكر عليه منكر!! أما سنة النبي فلم يسأل عنها أحد، ولم يطالب بإعادتها أحد!! وعلى هذا فقس ما تشاء من الأحكام والقواعد والمفاهيم الإسلامية وعرى الإسلام التي حلت كلها.
وهكذا صار الإسلام، والإيمان وكافة مضامينهما ومفاهيمهما غريبة تماما.
هذا على مستوى الدين.
أما على مستوى المسلمين المخلصين والمؤمنين الصادقين، فقد صاروا غرباء أيضا عن المجتمع، فهم كفئة جاءت من مجتمع آخر، وسكنت في المجتمع الجديد، واضطرت مكرهة أن تلتزم بقواعد وتوجهات المجتمع الجديد الذي استضافها، لقد عزلتهم دولة الخلافة عن الأكثرية المسلمة عزلا تاما، وشككت بولائهم لأمير المؤمنين ولدولته، وحرمت عليهم تولي الوظائف العامة لأنهم غرباء، وحرمت عليهم أن يكتبوا أو يرووا أو يحدثوا الناس بما سمعوه أو رأوه من رسول الله، باعتبارهم فئة تهدف إلى شق عصا الطاعة وتفريق الأمة المسلمة الواحدة!!!
فصارت الفئة المسلمة غريبة تماما عن المجتمع ويدها مشلولة وقدرتها محدودة على تغيير ما يجري في المجتمع.
لقد انقلبت الدنيا رأسا على عقب، فأعداء الله الذين قاوموا الرسول وحاربوه بكل وسائل الحرب، حتى أحيط بهم فاضطروا مكرهين للاستسلام وإعلان الإسلام صاروا قادة المجتمع وأمراؤه وخزنة أمواله وأساتذته، أما أولياء الله الذين وقفوا مع النبي في عسره ويسره، وحاربوا أعداءه وتلقوا وفهموا تعاليم الإسلام، فقد صاروا غرباء، محكومين، واضطروا أن يدخلوا الصفوف الابتدائية، ويتتلمذوا على يد.