الأحاديث والأخبار فيمكن للدولة العباسية، كما كان ممكنا للدولة الأموية من قبل، وكما كان ممكنا لأي خليفة أن يقتل أي عالم أو أي إنسان لأي سبب يراه دون بيان الأسباب، فحسب الثقافة التاريخية المستقرة بالنفوس ليس أمام المسلم إلا الالتزام بالطاعة، أو مواجهة الموت، وقد فهم علماء دولة الخلافة مضامين هذه الثقافة وقواعد اللعبة، فلم يحرجوا الدولة، ولم يحرجوا أنفسهم فقاموا بعملهم ضمن الإطار العام لهذه اللعبة الرهيبة.
التمييع ومحاولة تفريغ النصوص من مضامينها بحثنا هذه الناحية من قبل، ولا بأس من بحثها بمنتهى الاختصار لغايات الربط المحكم للبحث 1 - المهدي رجل مجهول الهوية والاسم ولا يعرف له نسب في العرب، إنما هو مجرد شخص من الأمة، هذه مضامين حديث من الأحاديث التي تدخلت الدولة العباسية بوضعها، أو أحد الأحاديث التي رواها طاقم معاوية، ووجدها العلماء مكتوبة وجاهزة، وما يدرينا أن العلماء لم يقووا على مواجهة العامة بحقيقة، أن المهدي من ذرية النبي ومن آل علي لأن قد العامة قد أشربت الثقافة التاريخية وفقه الهوى، فكان لا بد من إعداد العامة لتقبل حقيقة المهدي بالتمهيد بهذا العموم العجيب، وقد ورد حديثان بهذا المضمون أشرنا إليهما بالبحوث السابقة.
2 - يبدوا أن الحديث الأول قد أثار ردة فعل وتساؤلات مثل: لماذا لا يكون المهدي من ذرية الخليفة الأول، أو الثاني أو الثالث، أو من ذرية معاوية أو الحكم بن العاص، أو من ذرية العباسيين على الأقل، لقد أحدث الحديث الأول بلبلة في عالم الرواية، فتدخلت الدولة وعملاؤها، وأرادوا أن يضعوا حدا لهذه البلبلة فرووا حديثا ينفي أن يكون المهدي من أمة محمد كلها، ويبين بأن المهدي هو المسيح ابن مريم، وهذه أول مرة يذكر فيها اسم المهدي (المسيح ابن مريم) وما يدرينا أيضا أن هذا الحديث من الأحاديث التي روتها طواقم رواة معاوية بعد أن تيقنوا من أن المهدي من ذرية النبي وآل علي، فأرادوا أن يصرفوا هذا الشرف.