تنزلت به الملائكة علنا، وعلى رؤوس الأشهاد!! وبعض الخلفاء وهو مشرف على الموت أوحى بقتل كل من لا يلتزم حرفيا بتوجيهاته النهائية التي أصدرها، وهو مريض على فراش الموت، ومع هذا نفذت تلك التوجيهات بدقة متناهية.
حلقة من مخطط وخطوة على طريق لم تكن مواجهة بطون قريش للنبي في الحجرة المقدسة وقولهم له (أنت تهجر، والقرآن يغنينا عنك، ولا حاجة لنا بوصيتك) وليدة لحظتها إنما كانت الحلقة قبل الأخيرة من مخطط أعد له بدقة، ونفذ خطوة بعد خطوة. كانت بطون قريش ومن لف لفها تريد أن تبقي من الدين والنبوة فقط، ما هو ضروري لبقاء الملك الذي تمخضت عنه النبوة وما لا يتعارض مع هذا الملك، وتريد في النهاية الاستيلاء على هذا الملك بالقوة والقهر والتغلب، وأن تنسف كافة تعاليم الدين وترتيباته التي تتعارض مع أهدافها تلك. لقد أدركت هذه الجبهة خطورة البيان النبوي، وقدرة النبي على إيصال ما يريد إلى قلوب سامعيه، وأدركت إحكام الترتيبات الإلهية لذلك، وأثناء حياة النبي وصحته كانت بطون قريش تشكك بكل ما قاله النبي، وتصد عن كتابة أحاديث النبي. قال عبد الله بن عمرو بن العاص:
(كنت أكتب كل شئ سمعته من رسول الله... فنهتني قريش وقالت: الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى... (راجع سنن أبي داود ج 2 ص 126، وسنن الدارمي ج 1 ص 125 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 162 و 207 و 216 والمستدرك للحاكم ج 1 ص 105 و 106 وجامع بيان العلم لابن عبد البر)، وكانت بطون قريش تشيع بأن الرسول يفقد السيطرة على أعصابه، فيسب ويشتم ويلعن من لا يستحق ذلك، (راجع صحيح البخاري، كتاب الدعوات باب قول النبي (من آذيته)، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب من لعنه النبي)، وأن النبي قد سحر وأنه يخيل إليه أنه قد فعل الشئ وما فعله.. (راجع صحيح البخاري، بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وصحيح مسلم باب السحر)..
إلى آخره من تلك الأراجيف والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة، ولما أدركت البطون الطامعة بالملك فشل إشاعاتها، واستبطأت أجل النبي صممت على.