جرأة ابن خلدون وتطاوله ومبلغه من العلم قال ابن خلدون في مقدمته بالفصل الذي عقده لعلم النفقة ما يلي وبالحرف: وشذ أهل بيت النبوة بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي كلها أصول واهية، وشك بمثل ذلك الخوارج، ولم يحفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئا من مذاهبهم، ولا نروي كتبهم، ولا أثر لشئ منها في مواطنهم، فهو يعتبر أهل بيت النبوة: مبتدعة، شذاذ، ويرى أن الأصول التي سار عليها أهل البيت أصول واهية!! ويكشف عن حقيقة شعوره وما في نفسه، فيعبر عن ألمه وحزنه لأن فقه أهل السنة قد انقرض في مصر، وحل محله فقه أهل البيت!! وتلاشى من سواهم، ثم يرقص الرجل فرحا ويهلل عندما زالت دولة العبيديين وحل فقه الشافعي محل فقه أهل بيت النبوة.
فماذا تتوقع من رجل هذه حقيقة مشاعره عن أهل بيت النبوة!! ربما كان سر شهرته يكمن في طبيعة هذه المشاعر، وربما كره اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر وتصديقهم للأحاديث النوبة الواردة فيه، وحاول أن يوهن اعتقاد المسلمين بالمهدي، وأن يكذب الأحاديث الواردة فيه لأن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!! فأراد بمحاولاته تلك الحصول على مزيد من الشهرة، والتألق!!!
والذي لا أعرفه بالفعل هو هل تلا ابن خلدون آية التطهير وآية المودة في القربى، وآية المباهلة، وآية الصلاة على النبي؟ وعلى عرف معاني هذه الآيات واطلع على تفسيرها؟ وهل مر عليه حديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث النجوم؟ أكبر الظن - وبعض الظن إثم - أنه لم يتل هذه الآيات، ولم يقف على تفاسيرها، ولم تمر عليه تلك الأحاديث!!
لكن ابن خلدون مؤرخ وذكي ولا بد أنه قد أطلع بحكم دراساته التاريخية على كليات وتفاصيل الصراع الذي دار بين الشرك والإيمان، وعرف أن الذين قادوا جبهة الشرك والعداوة ضد رسول الله حتى أحيط بهم هم أنفسهم الذين.