فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمه، ولا تلين على قسر قناته، ولا يدرك ذو مدي أناته.
أبوك مهد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن بك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك أو دع، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب (1).
* * * ونستنتج من هذا الرد بأن معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه، و لكنه تجرأ عليه واحتذاء بأبي بكر وعمر، ولولا هما لما استصغر شأن علي (عليه السلام) ولا تقدم عليه أحد من الناس. كما يعترف معاوية بأن أبا بكر هو الذي معد لبني أمية وهو الذي بني ملكهم وشاده.
ونفهم من هذه الرسالة بأن معاوية لم يقتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يهتد بهديه، عندما اعترف بأن عثمان هدي بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما.
وبذلك يتبين لنا بوضوح بأنهم جميعا تركوا سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقتدى بعضهم ببدعة بعض. كما أن معاوية لم ينكر بأنه من الضالين الذين يعلمون بالباطل وأنه لعين ابن لعين على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولتعميم الفائدة لا بأس بذكر الرسالة التي رد بها يزيد بن معاوية على ابن عمر وهي على اختصارها ترمي نفس المرمى.
فقد أخرج البلاذري في تاريخه قال:
لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها: