اللعن عنه؟ فقال معاوية: لا والله حتى يهرم عليه الكبير ويشيب عليه الصغير.
يقول المدائني: فمكثوا على ذلك (بنو أمية) دهرا وعلموه إلى صبيانهم في الكتاتيب وإلى نسائهم وخدمهم ومواليهم، وقد نجح معاوية في مخططه نجاحا كبيرا، إذ أبعد الأمة الإسلامية (إلا القليل منها) عن وليها وقائدها الحقيقي، وجرهم إلى معاداته والبراءة منه، وألبس لهم الباطل بالحق وجعلهم يعتقدون بأنهم هم " أهل السنة " وأن من والى عليا واتبعه فهو خارجي وصاحب بدعة.
وإذا كان الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وما أدراك، يلعن فوق المنابر ويتقرب إلى الله بسبه ولعنه، فما بالك بالشيعة الذين اتبعوا، فقد منعوا عطاءهم وحرقوا عليهم ديارهم وصلبوهم على جذوع النخل ودفنوهم أحياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن معاوية في نظري هو حلقة من سلسلة المؤامرة الكبرى وفصل من فصولها، ولكنه نجح أكثر من غيره في طمس الحقائق وتقليبها ظهرا على عقب، وأرجع الأمة إلى الجاهلية الأولي في لباس الإسلام.
وتجدر الإشارة بأنه كان أدهى ممن سبقه من الخلفاء فكان ممثلا بارعا يجيد التمثيل فيبكي في بعض الأحيان حتى يؤثر في الحاضرين فيعتقدون أنه من الزهاد العباد المخلصين ويقسو ويتجبر أحيانا أخرى حتى يخيل إلى الحاضرين أنه من أكبر الملحدين ويظن البدوي بأنه رسول الله!
ولا بد لإتمام البحث أن نعرف من خلال رسالة محمد بن أبي بكر التي وجهها إليه ورده عليها مدى مكره ودهائه كما سنعرف من خلال الرسالتين حقايق لا غنى للباحثين من الوقوف عليها.