الذي لا يعزب عن علمه مثقال حبة من خردل والتي تخص نخبة صالحة اصطفاها الله وأورثها الكتاب والحكمة لتكون للناس أئمة، فقال: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " (الأنبياء:
73). مع أن قولهم بأن الإسلام لا يقر الوراثة وإنما ترك الأمر شورى، هو مغالطة لا يقرها الواقع والتاريخ فقد وقعوا بالضبط في النظام الوراثي الممقوت، ولم يتول على الأمة بعد علي (عليه السلام) إلا الظالمين الغاصبين الذين أورثوها لأبنائهم الفسقة رغم أنف الأمة.
فأيهما الأفضل أن يتوارثها الفساق الذين يحكمون بأهوائهم ولا يخضعون إلا لشهواتهم؟ أو يتوارثها الأئمة الطاهرين الذين اصطفاهم الله وأذهب عنهم الرجس و أورثهم علم الكتاب ليحكموا بين الناس بالحق ويهدوهم سواء السبيل ويدخلوهم جنات النعيم، من باب قول الله: وورث سليمان داود (النمل: 16)؟ وما أظن العاقل يختار إلا الثاني إن كان من المسلمين! وما دمنا الآن نقول بالأمر الواقع ولا يفيدنا التحسر على ما فات فلنعد إلى الموضوع فنقول:
ولما دفع أبو بكر وعمر أمير المؤمنين عن منصبه في الخلافة وتقمصاها، وصغرا بذلك شأن علي وفاطمة وأهل البيت (عليهم السلام) وأهانوهم، عند ذلك سهل الأمر على معاوية ويزيد وعبد الملك بن مروان وأضرابهم أن يفعلوا ما فعلوه، ولولا أنهما مهدا لمعاوية ومكنا له في البلاد حتى بقي واليا في الشام وحدها أكثر من عشرين عاما، ولم يعزل أبدا ونال معاوية هيبة وأوطأ رقاب الناس حتى دانوا له بكل ما يريد، ثم جعل الخلافة لابنه من بعده الذي وجد كما صرح بنفسه بيوتا مجددة وفرشا ممهدة ووسائد منضدة، فمن الطبيعي أن يقاتل من أجلها وأن يقتل ريحانة النبي ولا يبالي، فقد رضع بغض أهل البيت في حليب أمه ميسون وترعرع في حجر أبيه على سبهم و لعنهم، فلا غرابة أن يصدر منه الذي صدر أو أكثر من ذلك.
وقد اعترف بعض الشعراء بهذه الحقيقة إذ يقول: