لم يحتج بهذا الإنجيل قط ولم يرد ذكره في تلك المناظرات الحامية كما كتب ذلك الدكتور سعادة نفسه. وكيف ينحدر إنجيل كاذب كهذا إلى مكتبة البابا، ثم إلى البرنس أيوجين، ثم إلى مكتبة البلاط الملكي بفينا؟ وكل هذه أوساط مسيحية لا يمكن أن تسمح لكتاب كاذب يهاجم عقائد المسيحية بأن يتسرب إلى مكتباتهم، وأن ينال العناية التي وصفها الدكتور سعادة من تجليد وتذهيب؟ ولو حاول كاتب مسلم أن يضع إنجيلا لكان أولى به أن ينسبه إلى عيسى. على أن التعمق في الإسلام الذي وصفه الدكتور سعادة يحتم على هذا المتعمق ألا يرتكب هذه الحماقة أو قل الخيانة الكبرى، وهي أن يؤلف كتابا ثم ينسبه إلى سواه.
ويقول الدكتور سعادة - مستدلا على أن كاتب هذا الإنجيل مسلم - ما يلي: ولو أشار إلى مجئ (الرسول) نبي المسلمين من طرف خفي بإشارات تنطبق عليه دون التصريح باسمه لكان ذلك أصلح للغاية (1). ونحن نأخذ هذا القول دليلا على صحة نسبة الإنجيل لبرنابا، فهذه الحقيقة التي ذكرها الدكتور سعادة لا تخفى على أحد، وهذا الكاتب وصفه الدكتور سعادة بالبراعة والفلسفة العالية وكثرة الاطلاع... فكيف تخفى عليه حقيقة ابتدائية كهذه لو كان كاذبا.
ويذكر التاريخ أمرا أصدره البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على الأريكة البابوية سنة 492 يعدد فيه أسماء الكتب المنهي عن مطالعتها وفي عدادها كتاب يسمى (إنجيل برنابا (2)). ويرجح أنه هو الإنجيل الذي اختفى وضاعت نسخه، ولم تبق منه إلا هذه النسخة التي وصلت إلى بر السلامة حينما أخذت مكانها في مكتبة البابا نفسه حيث لا يخاف البابا أن تكون مكتبته موضع شك وموضع اختبار، أما غير البابا فيعتقد أنهم