مسلما بها، وأصبح الاتجاه العام وبخاصة بين الجماهير هو الإيمان بثالوث مقدس قريب الشبه بالثالوث الذي كانوا يؤمنون به قبل أن يدخلوا المسيحية.
ولكن الإيمان بهذا الثالوث خلق لهم مشكلة، تلك هي محاولة التوفيق بين الوحدانية التي هي سمة الأديان السماوية، والتي قالت بها التوراة بصراحة، وبين القول بعبادة الثالوث، وحينئذ جد جدهم، وجندوا جنودهم، وأعملوا عقولهم وقالوا كلاما يوفقون به بين الوحدانية والتثليث، ولكنهم عندما قالوا ذلك لم يكونوا يقنعون به، وصرحوا بعدم اقتناعهم أحيانا كما سيأتي، ولكن على كل حال لم يكن بد من الاستمرار في القول بالتثليث وافق العقل أو لم يوافقه. وعندما ثبت القول بالتثليث بدأت المرحلة الثانية، مرحلة البحث عن أفراد هذا الثالوث.
وكان من اللازم - في البحث عن هذا الثالوث - أن يكون الله جل جلاله أول هذا الثالوث، ذلك لأن المسيحية ديانة سماوية الأصل، وهي وليدة اليهودية، والتوراة كتاب مقدس عند المسيحين وهي تقول بالوحدانية، وقد أشاد عيسى بالله وأفاض في الثناء عليه، وكل هذا جعل من اللازم الاعتراف بالله، وبدأ المسيحيون بعد هذا يبحثون عن الإلهين الآخرين، فقالوا بألوهية المسيح فأصبح ثاني الآلهة، ثم قالوا بألوهية الروح القدس، لأنهم كانوا يريدون أن يدعوا الصلة بالله وتلقي العلم منه فقالوا بألوهية الروح القدس وأنه ينزل عليهم ويمتلئون به ويعرفون بواسطته ما لا يعرف البشر، فأصبح الروح القدس بذلك ثالث الآلهة، وتم بذلك الثالوث الذي يريدون.
وسنتبع في دراستنا نفس الخطوات التاريخية التي مر بها المسيحيون للأخذ بهذه العقيدة، فنتكلم أولا عن عقيدة التثليث ومحاولتهم إثباتها، ثم نتتبعهم وهم يبحثون عن أفراد هذا الثالوث، فيحاولون إثبات ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس.