قال الحاكي عنه ذلك: وقال غيره من شيوخنا: عليه أن يرجع ثانيا (1) حتى يزور.
قال عبد الحق: أنظر، إن استؤجر للحج لسنة بعينها، فها هنا يسقط من الأجرة ما يخص الزيارة، وإن استؤجر على حجة مضمونة في ذمته فهاهنا يرجع ويزور، وقد اتفق النقلان.
وعبد الحق هذا هو: عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي القروي، صقلي، تفقه بشيوخ القيروان، وتفقه بالصقليين أيضا، منهم: أبو عمران وغيره، وحج ولقي عبد الوهاب رحمه الله، وحج ثانيا فلقي إمام الحرمين، فباحثه في أشياء، وسأله عن مسائل أجابه عنها، وكان مليح التأليف، ألف كتبا كثيرة في مذهب مالك، توفي بالإسكندرية سنة ست وستين وأربعمائة.
وهذا الفرع الذي ذكره في الاستئجار على الزيارة فرع حسن.
والذي ذكره أصحابنا: أن الاستئجار على الزيارة لا يصح، لأنه عمل غير مضبوط، ولا مقدر بشرع، والجعالة إن وقعت على نفس الوقوف لم يصح أيضا، لأن ذلك مما لا يصح فيه النيابة عن الغير، وإن وقعت الجعالة على الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت صحيحة، لأن الدعاء مما يصح النيابة فيه، والجهل بالدعاء لا يبطلها، قال ذلك الماوردي في (الحاوي) في كتاب الحج (2).
وبقي قسم ثالث لم يذكره الماوردي: وهو إبلاغ السلام، ولا شك في جواز الإجارة والجعالة عليه، كما كان عمر بن عبد العزيز يفعل.
والظاهر أن مراد المالكية هذا، وإلا فمجرد الوقوف من الأجير لا يحصل للمستأجر غرضا، وسيأتي في كتاب ابن المواز من نص مالك ما يقتضي أنه يقف