قال ولا يجوز في الباري تعالى إلا أحد قولين إما أن نقول إنه أبدع ما في علمه وإما أن نقول إنما أبدع أشياء لا يعلمها وهذا من القول المستشنع وإن قلنا أبدع ما في علمه فالصور أزلية بأزليته وليس تتكثر ذاته بتكثر المعلومات ولا تتغير بتغيرها قال أبدع بوحدانيته صورة العنصر ثم صورة العقل انبعث عنها ببدعة الباري تعالى فرتب العنصر في العقل ألوان الصور على قدر ما فيها من طبقات الأنوار وأصناف الآثار وصارت تلك الطبقات صورا كثيرة دفعة واحدة كما تحدث الصور في المرآة الصقيلة بلا زمان ولا ترتيب بعض على بعض غير أن الهيولى لا تحمل القبول دفعة واحدة إلا بترتيب وزمان فحدثت تلك الصور فيها على الترتيب ولم يزل الأمر كذلك في العالم بعد العالم على قدر طبقات تلك العوالم حتى قلت أنوار الصور في الهيولى وقلت الهيولى وصارت منها هذه الصورة الرذلة الكثيفة التي لم تقبل نفسا روحانية ولا نفسا حيوانية ولا نباتية وكل ما هو على قبول حياة وحس فهو يعد في آثار تلك الأنوار وكان يقول إن هذا العالم يدثر ويدخله الفساد والعدم من أجل أنه سفل تلك العوالم وثقلها ونسبتها إليه نسبة اللب إلى القشر والقشر يرمى قال وإنما ثبات هذا العالم بقدر ما فيه من قليل نور ذلك العالم وإلا لما ثبت طرفة عين ويبقى ثباته إلى أن يصفي العقل جزأه الممتزج به وإلى أن تصفي النفس جزأها المختلط فيه فإذا صفي الجزآن عنه دثرت أجزاء هذا العالم وفسدت وبقيت مظلمة قد عدمت ذلك القليل من النور فيها وبقيت الأنفس الدنسة الخبيثة في هذه الظلمة بلا نور ولا سرور ولا روح ولا راحة ولا سكون ولا سلوة ونقل عنه أيضا أن أول الأوائل من المبدعات هو الهواء ومنه تكون جميع ما تكون في العالم من الأجرام العلوية والسفلية قال ما كون من صفو الهواء المحض لطيف روحاني لا يدثر ولا يدخل عليه الفساد
(٦٧)