ولدوام وجوده فإنه إنما يحتاج إلى الفاعل لوجوده وفي حال وجوده لا لعدمه السابق وفي حال عدمه فيكون الموجد الذي هو موجد للوجود والموجود هو الذي يوصف بأنه موجد فكما أنه في حال ما هو موجود يوصف بأنه موجد كذلك الحال في كل حال فكل موجد محتاج إلى موجد مقيم لوجوده لولاه لعدم وأما القوة والفعل فالقوة تقال لمبدأ التغير في آخر من حيث آخر وهو إما في المنفعل وهي القوة الإنفعالية وإما في الفاعل وهي القوة الفعلية وقوة المنفعل قد تكون محدودة نحو شيء واحد كقوة الماء على قبول الشكل دون قوة الحفظ وفي الشمع قوة عليهما جميعا وفي الهيولى الأولى قوة الجمع ولكن بتوسط شيء دون شيء وقوة الفاعل قد تكون محدودة نحو شيء واحد كقوة النار على الإحراق فقط وقد تكون على أشياء كثيرة كقوة المختارين وقد يكون في الشيء قوة على شيء ولكن يتوسط شيء دون شيء والقوة الفعلية المحدودة إذا لاقت القوة المنفعلة حصل منها الفعل ضرورة وليس كذلك في غيرها مما يستوي فيه الأضداد وهذه القوة ليست هي التي يقابلها لما بالفعل فإن هذه تبقى موجودة عند ما يفعل والثانية إنما تكون موجودة مع عدم الفعل وكل جسم صدر عنه فعل ليس بالعرض ولا بالقسر فإنه فإنه يفعل بقوة ما فيه أما الذي بالإرادة والإختيار فظاهر وأما الذي ليس بالإختيار فلا يخلو إما أن يصدر عن ذاته بما هو ذاته أو عن قوة في ذاته أو عن شيء مباين فإن صدر من ذاته بما هو جسم فيجب أن تشاركه سائر الأجسام وإذا تميز عنها بصدور ذلك الفعل عنه فلمعنى في ذاته زائد عن الجسمية وإن صدر عن شيء مباين فلا يخلو إما أن يكون جسما أو غير جسم فإن كان جسما فالفعل عنه يقسر لا محالة وقد فرض بلا قسر هذا خلف وإن لم يكن جسما فتأثر الجسم عن ذلك المفارق إما أن يكون لكونه جسما أو لقوة فيه ولا يجوز أن يكون لكونه جسما وقد أبطلناه فتعين أنه لقوة فيه هي مبدأ صدور ذلك الفعل عنه وذلك هو الذي نسميه القوة الطبيعية وهي التي تصدر عنه الأفاعيل الجسمانية
(١٧٨)